راعاك، وإن استعنت به عضدك، وإن احتجت إليه رفدك، وتكون مودة فعله أكثر من مودة قوله. وأنشدوا في المعنى:
إن أخاك الصدق من يسعى معك ... ومن يضرّ نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك ... شتّت فيك شمله ليجمعك «١»
وليس أخي من ودّني بلسانه ... ولكنّ أخي من ودّني وهو غائب
ومن ماله مالي إذا كنت معدما ... ومالي له إن أعوزته النّوائب
وقال أبو تمام:
من لي بإنسان إذا أغضبته ... وجهلت كان الحلم ردّ جوابه
وإذا صبوت إلى المدام شربت من ... أخلاقه وسكرت من آدابه «٢»
وتراه يصغي للحديث بطرفه ... وبقلبه ولعلّه أدرى به «٣»
وقيل لخالد بن صفوان: أي إخوانك أحب إليك؟ قال:
الذي يسد خلتي «٤» ويغفر زلتي ويقيل عثرتي. وقيل: من لا يؤاخي إلا من لا عيب فيه قلّ صديقه، ومن لم يرض من صديقه إلا بإيثاره على نفسه دام سخطه، ومن عاتب على كل ذنب ضاع عتبه، وكثر تعبه.
قال الشاعر:
ومن لم يغمض عينه عن صديقه ... وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب
وقال آخر:
إذا كنت في كل الأمور معاتبا ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
وإن أنت لم تشرب مرارا على الأذى ... ظمئت وأيّ الناس تصفو مشاربه
وقال: إذا رأيت من أخيك أمرا تكرهه أو خلة لا تحبها فلا تقطع حبله ولا تصرم وده، ولكن داو كلمته «٥» واستر عورته وأبقه وأبرأ من عمله.
قال الله تعالى: فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ٢١٦
«٦» فلم يأمره بقطعهم، وإنما أمره بالبراءة من عملهم السيء.
وقال صلى الله عليه وسلم: «الأرواح أجناد مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» . وقال عليه الصلاة والسلام: إن روحي المؤمنين ليلتقيان من مسيرة يوم ما رأى أحدهما صاحبه.
وفي ذلك قال بعضهم:
هويتكم بالسّمع قبل لقائكم ... وسمع الفتى يهوى لعمري كطرفه «٧»
وخبّرت عنكم كلّ جود ورفعة ... فلما التقينا كنتم فوق وصفه
وقال آخر:
تبسّم الثغر عن أوصافكم فغدا ... من طيب ذكركم نشرا فأحيانا «٨»
فمن هناك عشقناكم ولم نركم ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا
[وقيل] : ما تحاب اثنان في الله إلا كان أفضلهما عند الله أشدهما حبا لصاحبه.
ما زار أخ أخا في الله شوقا إليه ورغبة في لقائه إلا نادته ملائكة من ورائه طبت وطابت لك الجنة.
وقالوا: ليس سرور يعدل لقاء الإخوان، ولا غم يعدل فراقهم. وقالوا: شر الإخوان الواصل في الرخاء، الخاذل عند الشدة. وقالوا: إن من الوفاء أن تكون لصديق صديقك صديقا، ولعدو صديقك عدوا. وقالوا: أعجب الأشياء ودّ من يهودي وحفظ من نصراني، ورياضة من دهري «٩» ، وكرم من أعجمي، والحذر من الكريم إذا أهنته، واللئيم إذا أكرمته، والعاقل إذا أحرجته، والأحمق