إذا مازحته، والفاجر إذا عاشرته.
وقالوا: إصحب من الإخوان من أولاك جمائل كثيرة فكافأته بجميلة واحدة، فنسي جمائله وبقي شاكرا ناشرا ذاكرا لجميلتك، يوليك عليها الإحسان الكثير الجزيل ويجعل أنه ما بلغ من مكافأتك القليل.
وقال ابن عائشة: لقاء الخليل شفاء الغليل. وقال بعض الحكماء: إذا وقع بصرك على شخص فكرهته، فاحذره جهدك.
قال عبد الله بن طاهر:
خليليّ للبغضاء حال مبينة ... وللحب آثار ترى ومعارف
فما تنكر العينان فالقلب منكر ... وما تعرف العينان فالقلب عارف
وقال آخر:
وكنت إذا الصديق أراد غيظي ... وشرّقني على ظمإ بريقي «١»
غفرت ذنوبه وكظمت غيظي ... مخافة أن أعيش بلا صديق
وقال آخر:
وليس فتى الفتيان من جلّ همّه ... صبوح وإن أمسى ففضل غبوق «٢»
ولكن فتى الفتيان من راح أو غدا ... لضر عدو أو لنفع صديق
وأما آداب المعاشرة: فالبشاشة والبشر وحسن الخلق والأدب، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أخلاق النبيين والصديقين البشاشة إذا تراءوا والمصافحة إذا تلاقوا وكان القعقاع بن ثور الهذلي إذا جالسه رجل يجعل له نصيبا من ماله ويعينه على حوائجه، ودخل يوما على معاوية، فأمر له بألف دينار وكان هناك رجل قد فسح له في المجلس، فدفعها للذي فسح له، فقال:
وكنت جليس قعقاع بن ثور ... وما يشقى بقعقاع جليس
ضحوك السن إن نطقوا بخير ... وعند الشر مطراق عبوس
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لجليسي عليّ ثلاث:
أن أرمقه بطرفي إذا أقبل، وأوسع له إذا جلس، وأصغي له إذا حدث. ويقال: لكل شيء محل، ومحل العقل مجالسته الناس، ومثل الجليس الحسن كالعطار إن لم يصبك من عطره أصابك من رائحته. ومثل الجليس السوء، مثل الكبريت إن لم يحرق ثوبك بناره آذاك بدخانه.
وكانت تحية العرب: «صبحتك الأنعمة وطيب الأطعمة» وتقول أيضا: «صبحتك الأفالح وكل طير صالح» . ووصف المأمون ثمامة بحسن المعاشرة، فقال:
إنه يتصرف مع القلوب تصرف السحاب مع الجنوب «٣» .
وقيل: أول ما يتعين على الجليس الإنصاف في المجالسة بأن يلحظ بعين الأدب مكانه من مكان جليسه فيكون كل منهما في محله. وقال صلى الله عليه وسلم: ذو العلم والسلطان أحق بشرف المنزل.
وقال جعفر الصادق رضي الله عنه، إذا دخلت منزل أخيك فاقبل كرامته كلها ما عدا الجلوس في الصدور وينبغي للإنسان أن لا يقبل بحديثه على من لا يقبل عليه، فقد قيل إن نشاط المتكلم بقدر إقبال السامع، ويتعين عليه أن يحدث المستمع على قدر عقله ولا يبتدع كلاما لا يليق بالمجلس، فقد قيل لكل مقام مقال، وخير القول ما وافق الحال. وأوجبوا على المستمع أنه إذا ورد عليه من المتكلم ما كان مر بسمعه أولا أن لا يقطع عليه ما يقوله، بل يسكت إلى أن يستوعب منه القول، وعدوا ذلك من باب الأدب، ولعله إذا صبر وسكت استفاد من ذلك زيادة فائدة لم تكن في حفظه.
وقيل: ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم: الجالس في مجلس ليس له بأهل، والمقبل بحديثه على من لا يسمعه، والداخل بين اثنين في حديثهما ولم يدخلاه فيه، والمتعرض لما لا يعنيه، والمتأمّر على رب البيت في بيته، والآتي إلى مائدة بلا دعوة، وطالب الخير من أعدائه، والمستخف بقدر السلطان.
ويتعين على الجليس أن يراعي ألفاظه ويكون على حذر أن يعثر لسانه خصوصا إذا كان جليسه ذا هيبة، فقد قيل:
رب كلمة سلبت نعمة.
وقال أبو العباس السفاح: ما رأيت أغزر من فكر أبي