للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من النفوس موضع إرادته من تعظيمها، ولو لم ينحلها هذا الاسم لكانت كسائر رسائله.

وسنذكر في هذا الباب إن شاء الله تعالى شيئا من نظم البلغاء ونثرهم في الافتخار ومن تفاخر منهم بعون الله وفضله وتيسيره.

قال أبو بكر الهذلي: سايرت المنصور فعرض لنا رجل على ناقة حمراء تطوي الفلاة وعليه جبة حمراء وعمامة عدنية، وفي يده سوط يكاد يمس الأرض، فلما رآه المنصور أمرني بإحضاره، فدعوته، وسألته عن نسبه وبلاده وعن قومه وعشيرته وعن ولاة الصدقة، فأحسن الجواب، فأعجبه ما رأى منه، فقال أنشدني شعرا، فأنشده شعر الأوس بن حجر وغيره من الشعراء من بني عمرو بن تميم، وحدثه حتى أتى على بيت شعر لطريف بن تميم وهو قوله:

إن الأمور إذا أوردتها صدرت ... إن الأمور لها ورد وإصدار

فقال: ويحك ما كان طريف فيكم حيث قال هذا البيت؟

قال: كان أثقل العرب على عدوه وطأة وأقراهم لضيفه، وأحوطهم من وراء جاره «١» ، اجتمعت العرب بعكاظ، فكلهم أقروا له بهذه الخلال، فقال له: والله يا أخا بني تميم لقد أحسنت إذ وصفت صاحبك، ولكني أحق ببيته منه ومن شعر أبي الطحان:

وإنّي من القوم الذين هم هم ... إذا مات منهم سيّد قام صاحبه

نجوم سماء كلمّا غاب كوكب ... بدا كوكب تأوي إليه كواكبه

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه «٢»

وما زال فيهم حيث كان مسوّدا ... تسير المنايا حيث سارت ركائبه

ولما قدم معاوية المدينة صعد المنبر فخطب وقال: من ابن علي رضي الله تعالى عنه؟ فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله عز وجل لم يبعث بعثا إلا جعل له عدوا من المجرمين، فأنا ابن علي وأنت ابن صخر وأمك هند وأمي فاطمة وجدتك قيلة وجدتي خديجة، فلعن الله ألأمنا حسبا وأخملنا ذكرا وأعظمنا كفرا وأشدنا نفاقا، فصاح أهل المسجد آمين آمين، فقطع معاوية خطبته ودخل منزله.

وروي أن معاوية خرج حاجّا فمر بالمدينة ففرق على أهلها أموالا ولم يحضر الحسن بن علي رضي الله عنهما، فلما خرج من المدينة اعترضه الحسن بن علي فقال له معاوية: مرحبا برجل تركنا حتى نفد ما عندنا وتعرض لنا ليبخلنا، فقال له الحسن: ولم ينفد ما عندك وخراج الدنيا يجي إليك، فقال معاوية: إني قد أمرت لك بمثل ما أمرت به لأهل المدينة وأنا ابن هند، فقال الحسن: قد رددته عليك وأنا ابن فاطمة.

ودخل الحسين يوما على يزيد بن معاوية فجعل يزيد يفتخر ويقول: نحن ونحن ولنا من الفخر والشرف كذا وكذا والحسين ساكت فأذن المؤذن فلما قال: أشهد أن محمدا رسول الله قال الحسين: يا يزيد جدّ من هذا؟

فخجل يزيد ولم يرد جوابا. وفي ذلك يقول علي بن محمد بن جعفر:

لقد فاخرتنا من قريش عصابة ... بمطّ خدود وامتداد أصابع

فلما تنازعنا الفخار قضى لنا ... عليهم بما نهوى نداء الصوامع

ترانا سكوتا والشهيد بفضلنا ... عليهم جهير الصوت من كل جامع

وله أيضا:

إني وقوميّ من أنساب قومهم ... كمسجد الخيف من بحبوحة الخيف

ما علق السيف منا بابن عاشرة ... إلا وهمته أمضى من السيف

وتفاخر العباس بن عبد المطلب وطلحة بن شيبة وعلي بن أبي طالب، فقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، وقال طلحة: أنا خادم البيت ومعي مفتاحه، فقال علي: ما أدري ما تقولان أنا صليت إلى هذه القبلة قبلكما بستة أشهر، فنزلت أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ

«٣» .

الآية.

<<  <   >  >>