وتفاخر رجلان على عهد موسى عليه السلام فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان حتى عد تسعة آباء مشركين، فقال الآخر: أنا ابن فلان ولولا أنه مسلم ما ذكرته، فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أما الذي عد تسعة آباء مشركين فحق على الله أن يجعل عاشرهم في النار، والذي انتسب إلى أب مسلم فحق على الله أن يجعله مع أبيه المسلم في الجنة. قال سلمان الفارسي:
أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم
وتفاخر جرير والفرزدق عند سليمان بن عبد الملك، فقال الفرزدق: أنا ابن محي الموتى، فأنكر سليمان قوله، فقال يا أمير المؤمنين قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً
«١» وجدي فدى الموءودات فاستحياهن، فقال سليمان: إنك مع شعرك لفقيه. وكان صعصعة جد الفرزدق أول من فدى الموءودات.
وللعباس بن عبد المطلب:
إن القبائل من قريش كلّها ... ليرون أنّا هام أهل الأبطح
وترى لنا فضلا على ساداتها ... فضل المنار على الطريق الأوضح
وكتب الحكم بن عبد الرحمن المرواني من الأندلس إلى صاحب مصر يفتخر:
ألسنا بني مروان كيف تبدلت ... بنا الحال أو دارت علينا الدوائر
إذا ولد المولود منها تهلّلت ... له الأرض واهتزت إليه المنابر
وكتب إليه كتابا يهجوه فيه ويسبه، فكتب إليه صاحب مصر: أما بعد: فإنك عرفتنا فهجوتنا ولو عرفناك لأجبناك والسلام.
وكان أبو العباس السفاح يعجبه السّمر «٢» ومنازعة الرجال بعضهم بعضا، فحضر عنده ذات ليلة إبراهيم بن مخرمة الكندي وخالد بن صفوان بن الأهتم فخاضوا في الحديث وتذاكروا مصر واليمن، فقال إبراهيم بن مخرمة:
يا أمير المؤمنين إن أهل اليمن هم العرب الذين دانت لهم الدنيا ولم يزالوا ملوكا ورثوا الملك كابرا عن كابر وآخرا عن أول منهم النعمان والمنذر ومنهم عياض صاحب البحرين ومنهم من كان كل يأخذ سفينة غصبا وليس من شيء له خطر إلا إليهم ينسب، إن سئلوا أعطوا وإن نزل بهم ضيف قروه، فهم العرب العاربة وغيرهم المتعربة.
فقال أبو العباس: ما أظن التميمي رضي بقولك.
ثم قال: ما تقول أنت يا خالد؟ قال: إن أذن لي أمير المؤمنين في الكلام تكلمت، قال: تكلم ولا تهب أحدا، وقال: أخطأ المقتحم بغير علم «٣» ، ونطق بغير صواب، وكيف يكون ذلك لقوم ليس لهم ألسن فصيحة، ولا لغة صحيحة نزل بها كتاب ولا جاءت بها سنّة، يفتخرون علينا بالنعمان والمنذر ونفتخر عليهم بخير الأنام وأكرم الكرام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فلله المنة به علينا وعليهم، فمنا النبي المصطفى والخليفة المرتضى ولنا البيت المعمور وزمزم، والحطيم، والمقام، والحجابة، والبطحاء، وما لا يحصى من المآثر، ومنا الصديق والفاروق وذو النورين، والرضا والولي وأسد الله وسيد الشهداء، وبنا عرفوا الدين، وأتاهم اليقين، فمن زاحمنا زاحمناه ومن عادانا اصطلمناه «٤» ، ثم أقبل خالد على إبراهيم فقال: ألك علم بلغة قومك؟ قال: نعم. قال: فما اسم العين عندكم؟ قال: الجمجمة، قال: فما اسم السن؟
قال: الميدن، قال: فما اسم الأذن؟ قال: الصنارة، قال:
فما اسم الأصابع؟ قال: الشناتير، قال: فما اسم الذئب؟
قال: الكنع، قال: أفعالم أنت بكتاب الله عز وجل؟ قال:
نعم. قال: فإن الله تعالى يقول: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا
«٥» وقال تعالى: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ١٩٥
«٦» وقال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ
«٧» ، فنحن العرب والقرآن بلساننا أنزل، ألم تر أن الله تعالى قال: وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ
«٨» ولم يقل، والجمجمة بالجمجمة، وقال تعالى: وَالسِّنَّ بِالسِّنِ
«٩» ولم يقل والميدن بالميدن.
وقال تعالى: وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ
«١٠» ولم يقل والصنارة بالصنارة، وقال تعالى: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي