للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعطيتمونا ثمن قرانا «١» ، ثم إنه لحقنا، وقال: خذوها وإلا طعنتكم برمحي هذا، فأخذناها وانصرفنا.

وقال بعض الحكماء: أصل المحاسن كلها الكرم، وأصل الكرم نزاهة النفس عن الحرام وسخاؤها بما تملك على الخاص والعام، وجميع خصال الخير من فروعه.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تجاوزوا عن ذنب السخي فإن الله آخذ بيده كلما عثر وفاتح له كلما افتقر» .

وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط، فقال لا. وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:

«السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الناس، بعيد من الجنة قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل» . وقال بعض السلف: منع الموجود سوء ظن بالمعبود. تلا قوله تعالى: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ

«٢» . وقال الفضيل: ما كانوا يعدون القرض معروفا. وقال أكثم بن صيفي:

صاحب المعروف لا يقع وإن وقع وجد له متكأ. وقيل للحسن بن سهل: لا خير في السرف «٣» ، فقال: لا سرف في الخير، فقلب اللفظ واستوفى المعنى.

ووجد مكتوبا على حجر: «انتهز الفرص عند إمكانها ولا تحمل نفسك هم ما لم يأتك، واعلم أن تقتيرك على نفسك توفير لخزانة غيرك، فكم من جامع لبعل حليلته» «٤» .

وقال علي رضي الله تعالى عنه: ما جمعت من المال فوق قوتك فإنما أنت فيه خازن لغيرك. وقال النعمان بن المنذر يوما لجلسائه: من أفضل الناس عيشا وأنعمهم بالا وأكرمهم طباعا، وأجلهم في النفوس قدرا؟ فسكت القوم، فقام فتى فقال: أبيت اللعن، أفضل الناس من عاش الناس من فضله. فقال: صدقت.

وكان أسماء بن خارجة يقول: ما أحب أن أرد أحدا عن حاجة، لأنه إن كان كريما أصون عرضه أو لئيما أصون عنه عرضي. وكان مورق العجلي يتلطف في إدخال السرور والرفق على إخوانه، فيضع عند أحدهم البدرة، ويقول له أمسكها حتى أعود إليك، ثم يرسل يقول له أنت منها في حل.

وقال الحسن رضي الله عنه: باع طلحة بن عثمان رضي الله تعالى عنه أرضا بسبعمائة ألف درهم، فلما جاء المال قال: إن رجلا يبيت هذا عنده لا يدري ما يطرقه لغرير بالله تعالى ثم قسمه في المسلمين.

ولما دخل المنكدر على عائشة رضي الله عنها قال لها:

يا أم المؤمنين أصابتني فاقة «٥» فقالت: ما عندي شيء، فلو كان عندي عشرة آلاف درهم لبعثت بها إليك. فلما خرج من عندها جاءتها عشرة آلاف درهم من عند خالد بن أسيد فأرسلت بها إليه في أثره، فأخذها ودخل بها السوق، فاشترى جارية بألف درهم، فولدت له ثلاثة أولاد، فكانوا عبّاد المدينة، وهم: محمد وأبو بكر، وعمر بنو المنكدر.

وأكرم العرب في الإسلام طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه، جاء إليه رجل، فسأله برحم بينه وبينه، فقال هذا حائطي بمكان كذا وكذا، وقد أعطيت فيه مائة ألف درهم، يراح إلي المال بالعشية، فإن شئت فالمال، وإن شئت فالحائط. وقال زياد بن جرير: رأيت طلحة بن عبيد الله فرّق مائة ألف في مجلس وإنه ليخيط إزاره بيده.

وذكر الإمام أبو علي القالي في كتاب الأمالي أن رجلا جاء إلى معاوية رضي الله تعالى عنه فقال له: سألتك بالرحم التي بيني وبينك إلّا ما قضيت حاجتي، فقال له معاوية: أمن قريش أنت؟ قال: لا، قال: فأي رحم بيني وبينك؟ قال: رحم آدم عليه السلام. قال: رحم مجفوة «٦» والله لأكونن أول من وصلها، ثم قضى حاجته.

وروي أن الأشعث بن قيس أرسل إلى عدي بن حاتم يستعير منه قدورا كانت لأبيه حاتم، فملأها مالا وبعث بها إليه، وقال: إنا لا نعيرها فارغة. وكان الأستاذ أبو سهل الصعلوكي من الأجواد، ولم يناول أحدا شيئا وإنما كان يطرحه في الأرض، فيتناوله الآخذ من الأرض، وكان يقول: الدنيا أقل خطرا من أن ترى من أجلها يد فوق يد أخرى. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اليد العليا خير من اليد السفلى» .

وسأل معاوية الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهم، عن الكرم فقال: هو التبرع بالمعروف قبل السؤال، والرأفة

<<  <   >  >>