للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال محمود الوراق:

سألزم نفسي الصفح عن كلّ مذنب ... وإن عظمت منه عليّ الجرائم

فما الناس إلا واحد من ثلاثة ... شريف ومشروف ومثل مقاوم

فأما الذي فوقي فأعرف قدره ... وأتبع فيه الحقّ والحق لازم

وأما الذي دوني فإن قال صنت عن ... إجابته نفسي وإن لام لائم

وأما الذي مثلي فإن زلّ أو هفا ... تفضّلت إنّ الحرّ بالفضل حاكم

وقال الأحنف بن قيس لابنه: يا بني إذا أردت أن تؤاخي رجلا فأغضبه، فإن أنصفك، وإلا فاحذره «١» .

قال الشاعر:

إذا كنت مختصا لنفسك صاحبا ... فمن قبل أن تلقاه بالودّ أغضبه

فإن كان في حال القطيعة منصفا ... وإلا فقد جرّبته فتجنّبه

ومن أمثال العرب: إحلم تسد.

قال الشاعر:

لن يبلغ المجد أقوام وإن شرفوا ... حتى يذلّوا وإن عزّوا لأقوام

ويشتموا فترى الألوان مسفرة «٢» ... لا صفح ذل ولكن صفح إكرام

وقال آخر:

وجهل رددناه بفضل حلومنا «٣» ... ولو أننا شئنا رددناه بالجهل

وقال الأحنف: إياكم ورأي الأوغاد، قالوا: وما رأي الأوغاد؟ قال: الذين يرون الصفح والعفو عارا.

وقال رجل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: لأسبنك سبا يدخل معك قبرك، فقال: معك والله يدخل لا معي.

وقيل: إن الأحنف سبّه رجل وهو يماشيه في الطريق، فلما قرب من المنزل وقف الأحنف وقال له: يا هذا إن كان قد بقي معك شيء، فهات، وقله ههنا، فإني أخاف أن يسمعك فتيان الحي فيؤذوك، ونحن لا نحب الانتصار لأنفسنا.

وقال لقمان لابنه: يا بني ثلاثة لا يعرفون إلا عند ثلاثة:

لا يعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا عند الحرب، ولا أخوك إلا عند الحاجة إليه.

ومن أشعر بيت قيل في الحلم قول كعب بن زهير:

إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا «٤» ... أصبت حليما أو أصابك جاهل

وقال آخر:

وإذا بغى باغ عليك بجهله ... فاقتله بالمعروف لا بالمنكر

وقال آخر:

قل ما بدا لك من صدق ومن كذب ... حلمي أصم وأذني غير صماء

ويروى في بعض الأخبار، أن ملكا من الملوك أمر أن يصنع له طعام، وأحضر قوما من خاصته فلما مد السماط «٥» أقبل الخادم وعلى كفه صحن فيه طعام، فلما قرب من الملك أدركته الهيبة فعثر فوقع من مرق الصحن شيء يسير على طرف ثوب الملك، فأمر بضرب عنقه، فلما رأى الخادم العزيمة على ذلك عمد بالصحن فصب جميع ما كان فيه على رأس الملك، فقال له: ويحك ما هذا؟ فقال: أيها الملك إنما صنعت هذا شحا على عرضك، لئلا يقول الناس إذا سمعوا ذنبي الذي به تقتلني:

قتله في ذنب خفيف لم يضره وأخطأ فيه العبد، ولم يقصده، فتنسب إلى الظلم والجور. فصنعت هذا الذنب العظيم لتعذر في قتلي وترفع عنك الملامة. قال: فأطرق الملك مليا ثم رفع رأسه إليه وقال: يا قبيح الفعل يا حسن الاعتذار، قد وهبنا قبيح فعلك وعظيم ذنبك لحسن اعتذارك، إذهب فأنت حر لوجه الله تعالى.

وحكي عن أمير المؤمنين المأمون وهو المشهود له بالاتفاق على علمه، والمشهور في الآفاق بعفوه وحلمه،

<<  <   >  >>