للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الخلق مهتد به، ومعرض عنه، بعث الله النبيئين مبشرين لمن اهتدى بنور العقل بمقتضى الآيات المحسوسه، وتلك هي الحنيفية والملة الإبراهيمية، ومنذرين لمن أعرض عن ذلك، وشغلته شهوات دنياه فترتب لذلك خطاب الكتاب؛ بين ما يخاطب به الأعلين المهتدين، وبين ما يخاطب به الأدنين المعرضين، وكذلك تفاوت الخطاب بين ما يخاطب به الأيمة المهتدين والمؤتمون بهم، فكان أعلى الخطاب ما يقبل على إمام الأيمة وسيد السادات، وأحظى خلق الله عند الله، محمد، - صلى الله عليه وسلم -، فكان أول الخطاب بـ {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ} إقبالا عليه وإيتاء له من الذكر الأول، كما قال عليه السلام: "أوتيت البقرة وآل عمران من الذكر الأول" وهو أول مكتوب حين كان الله ولا شيء معه، وكتب في الذكر الأول كل شيء، فخاطبه الله، عز وجل، بما في الذكر الأول، وأنزله قرآنا، ليكون آخر المنزل الخاتم هو أول الذكر السابق، ليكون الآخر الأول في كتابه كما هو في ذاته، فمن حيث كان الخطاب الأول من أعلى خطاب الله لمحمد، - صلى الله عليه وسلم -، انتظم به ما هو أدنى خطاب من آيات الدعوة، تنبها لمن أعرض عن الاستفادة بنور العقل، لما بين الطرفين من تناسب التقابل. ثم عاد وجه الخطاب إليه، - صلى الله عليه وسلم -، بما هو إعلام بغائب الماضي عن كائن الوقت من أمر ابتداء مفاوضة الحق ملائكته في خلق آدم، ليكون ذلك ترغيبا للمبشرين في علو الرتب إلى التكامل، كما كانت آية الدعوة تنبيها للمعرضين ليعودوا إلى الإقبال، وخصوص الإنزال إنما هو في الإنباء بغيب الكون من ملكوته، وغائب أيام الله الماضية، ومنتظر أيام الله الآتية، فذلك

<<  <   >  >>