وأما عيسى، عليه الصلاة والسلام، فكان في قوم يؤمنون بالآخرة، ففعله ذلك لإظهار المعجزة بنوع أعلى مما كانوا يصلون إليه بالطب، على أنه لا فرق في إظهار الخارق بين واحد وأكثر، والله، سبحانه وتعالى، الموفق.
ولما أراه، سبحانه وتعالى، ملكوت الأرض، صارت تلك الرؤية علما على عزة الله من وراء الملكوت في محل الجبروت، فقال:{وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ} أي المحيط علما وقدرة {عَزِيزٌ}. ولما كان للعزة صولة لا تقوى لها فطر المخترعين، نزل، تعالى، الخطاب إلى محل حكمته، فقال:{حَكِيمٌ} فكان فيه إشعار بأنه، سبحانه وتعالى، جعل الأشياء بعضها من بعض كائنة، وبعضها إلى بعض عامدة، [وبعضها من ذلك البعض معادة {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} وهذه] الحكمة التي أشار إليها اسمه الحكيم حكمة ملكوتية جامعة لوصلة ما بين حكمة الدنيا وحكمة الآخرة، لأن الحكيم بالحقيقة ليس من علمه الله حكمة الدنيا، وألبس عليه وجعله لها، بل ذلك جاهلها كما تقدم،