الحديث الخامس والأربعون: عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة يقول: (إن الله عز وجل ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة فإنه تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ قال: لا، هو حرام، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم الشحوم جملوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه) رواه البخاري ومسلم.
يعني: لما حرمت عليهم الميتات عمدوا إلى الشحوم فأذابوها وباعوها على أنها ودك لا شحم، وهذا من حيل اليهود التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم احتالوا على ما حرم الله فحولوه إلى شيء آخر، وصار له اسم آخر والنتيجة واحدة، والله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله ورسوله حرم جاء في بعض الروايات: (حرما) بالتثنية؛ لأن الضمير يرجع إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذه الرواية التي فيها الإفراد:(حرم) فإنه يقال فيها: إن الضمير يرجع إلى الثاني الذي هو الرسول صلى الله عليه وسلم، والضمير الذي يرجع إلى الله محذوف وتقديره: إن الله حرم ورسوله حرم، فيكون خبر الأول محذوفاً والثاني موجوداً، ويكون هذا مثل قوله:{وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}[التوبة:٦٢] يعني: والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه.
وكذلك قول الشاعر: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ والرأي مختلف يعني: نحن بما عندنا راضون وأنت بما عندك راضٍ، فحذف الخبر في الأول فقال: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ بدلالة الثاني على الأول، أي: بدلالة المذكور على المحذور، فيكون ذكر الضمير على سبيل الإفراد هو من هذا القبيل.