[مآل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على أحد أصحابه]
قوله صلى الله عليه وسلم:(ثكلتك أمك يا معاذ) يعني: فقدتك حتى صارت ثكلى! وليس الدعاء مُراداً هنا، وإنما المراد هو الاهتمام بما يخاطب به، بل إنه جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنّه سأل ربه أن يجعل كل دعوة دعا بها على أحد ليس أهلاً لها طُهراً وزكاءً وقربة من الله عز وجل لذلك المدعو عليه، فتكون الصيغة دعاءً عليه وهي دعاءٌ له.
فقد ثبت في صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أمه أم سليم رضي الله تعالى عنها كان لها يتيمة، فأرسلتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم رآها وهي صغيرة جداً ثم رآها قد كبرت، فقال: أنت هي كبرت، لا كبرت سنك.
فرجعت تلك اليتيمة تبكي، فلما جاءت إلى أم سليم تبكي قالت: إن الرسول دعا علي وقال: كذا وكذا، فجاءت أم سليم مسرعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:(ما لك يا أم سليم، قالت: إنك دعوت على يتيمتي.
فقال: أما علمت -يا أم سليم - أنني اشترطت على ربي أن كل من دعوت عليه دعوة ليس هو لها بأهل أن يجعل الله له زكاءً وطُهراً).
ثم إن الإمام مسلماً رحمة الله عليه من حسن ترتيبه ومن حسن دقته في كتابه الصحيح لما ذكر هذا الحديث أورد بعده حديث ابن عباس الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاوية:(لا أشبع الله بطنك) بعدما ذكر الحديث الذي فيه هذا الشرط؛ ليدل على أنه دعاء له وليس دعاء عليه، وذلك أن ابن عباس روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله إلى معاوية فرجع فأخبره أنه وجده يأكل، ثم أمره أن يذهب مرة أخرى، فرجع فأخبره أنه وجده يأكل، فقال صلى الله عليه وسلم:(لا أشبع الله بطنك) فصار دعاء له بناءً على ذلك الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، فصار منقبة لـ معاوية وفضلاً له، وليس فيه ذم لـ معاوية كما يحرص على ذكره من يعادون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أن هذا من مثالبه، وأنه دعاء عليه.
فهذا الحديث العظيم مشتمل على هذه الوصايا العظيمة النافعة الجامعة ممن أعطي جوامع الكلم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.