قال عليه الصلاة والسلام:(دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، وقد مر في حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما جملة توافق هذه الجملة وتتفق معها، وهي قوله صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر الأمور المشتبهة:(فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)، فإن قوله:(فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) هو مثل: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) أي: دع ما لا تطمئن إليه وتشك فيه ولا ترتاح إليه من الأقوال والأعمال إلى الشيء الذي ترتاح وتطمئن نفسك إليه؛ لأنك بذلك تسلم وتغنم لكونك أتيت إلى ما لا يريبك، وتركت ما يريبك، أي: ما فيه ريبة وشك وعدم ارتياح.
فالنفس تكون قلقة مضطربة إذا كان الشيء مما يريب، وعلى الإنسان أن يذهب إلى ما لا يريبه، وتطمئن وترتاح نفسه إليه، ويقدم الإنسان عليه وهو مرتاح، فيكون قوله:(دع ما يريبك) مثل قوله: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)، وقوله:(إلى ما لا يريبك) مثل قوله: (إن الحلال بين)، فإن الإنسان عندما يأتي إلى شيء واضح جلي ليس فيه خفاء، فإنه يكون قد أخذ بما هو واضح وبما هو حلال بين، وأما إذا كان في شيء مشكوك فيه، وفي أمر غير مرتاح إليه؛ فإن هذا يكون من قبيل الشيء الذي أقدم عليه وكان المطلوب منه أن يتركه؛ لأن (دع) بمعنى اترك، وهي فعل أمر، وهي مادة يأتي منها الأمر والمضارع ولا يأتي منها الماضي إلا نادراً، مثل قوله صلى الله عليه وسلم:(اتركوا الترك ما تركوكم، ودعوا الحبشة ما ودعوكم).
وهذا الحديث:(دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام؛ فإنها جملة وجيزة قصيرة، مبناها قليل ولكن معناها واسع، وهذه من الكلمات الجامعة التي أعطيها الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.