كما أن البينة تكون مطلوبة في أمور الدنيا فإنها مطلوبة في أمور الدين، وذلك أن من يدعي محبة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام لا تقبل دعواه دون أن يقيم البينة، والبينة هي اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن ادعى محبة الله ورسوله فالبينة التي تدل على صدقه أن يكون متابعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يكون سائراً على نهج الرسول عليه الصلاة والسلام، هذه هي البينة، ليس كل من يدعي أنه محب للرسول صلى الله عليه وسلم يكون صادقاً في ذلك؛ لأن من الناس من يدعي محبته صلى الله عليه وسلم، وعلامتها عنده ارتكاب أمور مبتدعة، أو أمور محرمة غير سائغة مستنده فيها دعواه أنه يحب الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه يأتي بالبدع، فيأتي -مثلاً- يتمسح بالجدران التي عند قبره، ويقول: أنا أحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يعصي الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، فهذه ليست علامة المحبة.
يحتفل بميلاده صلى الله عليه وسلم ويقول: أنا أحبه.
وهذه ليست علامة المحبة، فالمحبة هي الاتباع، قال الله عز وجل:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[آل عمران:٣١] وهذه الآية يسميها بعض العلماء: آية الامتحان والاختبار، وهي أن من يدعي محبة الله ورسوله عليه أن يقيم البينة، والبينة هي الاتباع {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[آل عمران:٣١] فالبينة والعلامة على محبته للرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون متبعاً له، سائراً على نهجه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وعلى هذا فإن الدعاوى بدون بينات لا عبرة بها ولا قيمة لها، وإنما المعول عليه في الدعاوى هو البينات التي يأتي بها المدعي، فإذا أتى المدعي بالبينة على دعواه فعند ذلك تكون الدعوى صحيحة ويكون صادقاً فيما يقول، وأما إذا كانت الدعوى مجرد كلام ولم يأت بالبينة فيما يتعلق بأمور الدنيا -وهي الشهود وغير ذلك مما يثبت به الحق- وكذلك -أيضاً- في أمور الدين، حيث يدعي محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مخالف لمنهجهه وطريقته وسنته صلى الله عليه وسلم فإن هذه مجرد دعوى ولا عبرة بها، وإنما تكون الدعوى معتبرة إذا أقيمت البينة على ذلك، والبينة على ذلك هي اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[آل عمران:٣١].
فقوله:((فَاتَّبِعُونِي)) هذا هو الدليل على صدق المحبة، فإذا وجد الاتباع فإن الدعوى قد أقيمت عليها البينة، وإن وجدت الدعوى ولكن وجد ما يخالفها ووجدت معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإن هذا ينافي المحبة، ولا يكون الإنسان صادقاً في دعواه بأنه يحب الرسول صلوات وسلامه وبركاته عليه.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.