قوله:(رد) بمعنى مردود، فهو مصدر بمعنى اسم المفعول، فرد بمعنى مردود، كخلق بمعنى مخلوق، ونسخ بمعنى منسوخ.
والمعنى أن ما بني على مخالفة السنة فإنه يرد، وإذا وجدت عقود مخالفة لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنها مردودة على صاحبها، والعقد الذي بني على ذلك يكون فاسداً.
ومما يوضح هذا قصة العسيف الذي جاء أبوه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ومعه خصمه الذي هو زوج المرأة، وقال: إن ابني كان عسيفاً على هذا -يعني: كان أجيراً عنده- فزنى بامرأته، وهذا يبين أن الشر يحصل بسبب المخالطة والاحتكاك من بعض الناس لبعض، فإن هذا العامل لاتصاله بالمرأة جرى الكلام معها، ووقع الشيطان بينهما حتى زنى بها، فقوله:(إن ابني كان عسيفاً) يعني أنه ما تسلق الجدران، وليس غريباً على البيت، وإنما زنى بها بسبب هذا الاختلاط وهذا الاحتكاك.
قال: وإنني أخبرت أن على ابني الرجم.
يعني: أخبره بعض من لا علم عنده بأن ابنك سيقتل وسيرجم، قال: فذهبت إليه واصطلحت معه على مائة شاة ووليدة، يعني: أعطيه هذا حتى يسامح ابني، ولا يحصل الرجم، ولما جاء هذان الاثنان قال الزوج: يا رسول الله! اقض بيننا بكتاب الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لأقضين بينكما بكتاب الله)، فقال والد العسيف:(يا رسول الله! اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي) يعني: ائذن لي في الحديث، وهذا فيه أدب، وحسن مخاطبة، ثم قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا، وإنني أخبرت أن على ابني الرجم، فافتديته بمائة شاة ووليدة، وإنني سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني الجلد وتغريب سنة، وأن على زوجة هذا الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(الوليدة والغنم رد عليك)، وهذا هو محل الشاهد، يعني مما يطابق الحديث الذي معنا أن العقود إذا كانت مبنية على أمر محرم وعلى مخالفة الشرع فإنها تنقض وترد، ولا تعتبر، وأن الصلح إذا كان مبنياً على أمر مبتدع محرم فإنه لا يجوز الوفاء به، بل يتعين إبطاله وإلغاؤه، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم أبطل هذا الصلح الذي جرى بينهما وقال:(الوليدة والغنم رد عليك) أي: مردودة عليك، وهذا يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) فإن هذا عمل من الأعمال المخالفة لما جاء به رسول صلى الله عليه وسلم، وذلك الحكم أو ذلك الاتفاق يكون باطلاً ويكون لاغياً ولا عبرة به ولا قيمة له.
قوله:(الوليدة والغنم رد عليك) دليل على أن العقود إذا أبرمت وكانت مخالفة للسنة فإنها تلغى وتبطل، ويرجع إلى اتباع السنة، وإلى اتباع ما جاء به الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، أي: أنه لا يحصل الإنسان ثمرات العقد إذا كان مبنياً على باطل، بل يلغى ذلك العقد، ويرجع الأمر إلى الحكم الذي جاء في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن على ابنه جلد مائة وتغريب عام، وأن امرأة هذا عليها الرجم ثم قال:(واغد يا أنيس إليها، فإن اعترفت فارجمها).
ومحل الشاهد منه: أن الصلح الذي وقع بين والد العسيف وبين زوج المرأة لاغ وباطل، وبين النبي صلى الله عليه وسلم الحكم الشرعي وهو الرجم على المحصنة، والجلد مائة جلدة، والتغريب لمدة سنة على من كان بكراً ولم يكن محصناً.
ثم إن قوله صلى الله عليه وسلم:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) يدل بمنطوقه على أن كل ما أحدث مما هو خلاف الشرع فإنه مردود على صاحبه، ويدل بمفهومه على أن كل ما وقع مطابق للشرع فإنه معتبر يتعين العمل به.