للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجه دخول العلماء والأمراء في النصيحة لأئمة المسلمين]

السؤال

ألا يمكن تفسير: (أئمة المسلمين) في الحديث كما فسر في الآية: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩]، فيدخل فيهم العلماء والأمراء؟

الجواب

لقد ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره أن من العلماء من فسر ولاة الأمر بالعلماء والأمراء، ومنهم من فسرها بالعلماء فقط، ومنهم من فسرها بالأمراء فقط، ولاشك أن العلماء ولاة الأمر والمرجع فيما يتعلق بأمور الدين وبيان أحكامه، وأما ولاة الأمر الذين هم الأمراء فهم المناط بهم التنفيذ والتطبيق للأحكام، ولهذا يسمع لهم ويطاعوا في حدود المعروف، وأما العلماء فإنهم المرجع في بيان أحكام الشرع وفيما يتعبد الله عز وجل به، والله تعالى يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:٧]، الذين هم العلماء، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يورث عنه العلم ولا يورث عنه المال، والموفق هو الذي يحرص على أن يكون له نصيب من هذا الميراث الذي هو العلم النافع، وهذا من أعظم الشرف الذي يحصل للعلماء أن يحصل لهم هذا الوصف، وأنهم وارثو الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله بالحق والهدى، وهذا الميراث هو الحق والهدى.

فحديث أبي الدرداء المشتمل على خمس جمل كلها تدل على فضل العلم، وآخرها هذه الجملة، وقد شرحها ابن رجب رحمه الله في جزء لطيف، وابن رجب رحمه الله له أجزاء حديثية يتكلم فيها على حديث معين في جزء، فيذكر ما فيه من الآثار، وهذه طريقة ابن رجب في شرح الحديث أنه يعنى بالآثار كما في كتاب (جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم) فإنه اعتنى بالآثار رحمة الله عليه، وقد شرح حديث أبي الدرداء هذا الذي فيه: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات والأرض حتى الحيتان في الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العلماء هم ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)، ولهذا فإن سائر الناس الذين هم غير الأنبياء يجمعون المال ويرثه عنهم أقرباؤهم، وأما الرسل والأنبياء فإنهم لا يورث عنهم المال بل المال يتركونه صدقة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة) ولكن ميراثهم العلم النافع، كما جاء في هذا الحديث: (وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً)، فالأنبياء إنما جاءوا بالحق والهدى، فميراثهم مبذول لكل من أراده وليس لأحد دون أحد، فمن أراد نصيبه من هذا الميراث فالباب مفتوح، لا يحول بينه وبينه شيء، وإنما يعزم ويتوكل على الله ويقبل ويجد ويجتهد، والميراث أمانة.