للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم من أكره على قول كلمة الكفر]

السؤال

قال القرطبي في تفسيره: قال العلماء: من أكره على كلمة الكفر فلا يجوز له أن ينطق بها إلا أن ينوي المعاريض، فهل هذا صحيح، وكيف يكون؟

الجواب

المعاريض: هي أن يقصد الإنسان بكلامه شيئاً، وغيره يفهم شيئاً آخر.

مثل: قصة أم سليم مع زوجها أبي طلحة، لما كان ابنه مريضاً، فمات، ولما جاء وسأل عنه، قالت زوجته أم سليم: إنه قد هدأت نفسه واستراح.

ففهم أنه خف منه المرض واستراح من شدته، وهي تقصد أنه قد مات، لكنها لا تريد أن توضح لزوجها ذلك، وأيضاً هي لم تكذب، فهذه هي المعاريض، وتسمى أيضاً: تورية، مثلما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة فإنه يورّي بغيرها، فكان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يتجه إلى جهة الجنوب، فإنه يسأل ويبحث عن الطرق المؤدية إلى جهة الشمال، فالذي يسمع أنه يبحث في جهة الشمال يظن أنه سيذهب شمالاً، مع أنه سيذهب جنوباً، وهذه تورية.

وكذلك ما يُذكر عن محمد بن نوح أنه عند فتنة القول بخلق القرآن لما أُلزم بأن يقول: إن القرآن مخلوق، ورّى فقال: أشهد أن التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، هؤلاء مخلوقات.

ويحرك أصابعه الأربعة، ويقول: هؤلاء مخلوقات.

فهو يقصد شيئاً وغيره يفهم شيئاً آخر، فهذه تورية ومعاريض.

فإذا أكره الإنسان على قول الكفر أو قول الباطل وأمكنه التخلص من ذلك بالمعاريض، فهذا شيء طيب، ولكن إذا لم يكن لديه مجال للمعاريض، وأُكره على النطق باللفظ المعين الذي يطلبونه منه ويحددونه له، ولا مجال فيه للتعريض، فإنه يفعل ذلك مع بغضه له في قلبه، ويكون بهذا معذوراً كما قال الله عز وجل: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:١٠٦].