للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإحسان أعلى درجات الدين]

انتهى الكلام في شرح حديث جبريل إلى درجة الإحسان، وقد ذكر قبل ذلك درجة الإسلام والإيمان، فالدرجات ثلاث: أولها: درجة الإسلام، ثم تليها درجة الإيمان، ثم تليها درجة الإحسان.

وكل درجة أكمل من الدرجة التي قبلها، وكل درجة داخلة في التي قبلها، فكل مؤمن مسلم، وكل محسن مؤمن ومسلم؛ لأن درجة الإحسان هي درجة كمال، وأقل منها درجة الإيمان، وأقل منهما درجة الإسلام.

فالإنسان بمجرد دخوله في الإسلام وإتيانه بما يعصم به دمه من الدخول في الإسلام يقال له: مسلم.

ويلي ذلك درجة الإيمان.

ولهذا فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً، وقد جاء في القرآن في قصة الأعراب الذين ذكر قصتهم في سورة الحجرات قوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:١٤].

فالإيمان أكمل من الإسلام؛ لأن الإسلام يحصل لكل من دخل في الإسلام، وأما الإيمان فيكون لمن حصل منه شيء من الكمال في إسلامه، فهي درجة أعلى، وأعلى منها درجة الإحسان.

وكذلك الحديث الذي فيه قصة الجماعة الذين جاءوا -كما في حديث سعد بن أبي وقاص - أن جماعة أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاهم إلا رجلاً، وكان ذلك الرجل أمثلهم عنده، فقال له سعد بن أبي وقاص: أعطيت الجماعة الفلانية وفيهم فلان لم تعطه وهو مؤمن.

فقال عليه الصلاة والسلام: (أو مسلم؟!) أي أنه يرشده إلى أن يقول الدرجة الدنيا، فكرر عليه سعد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: (أو مسلم؟!) ثم ذكر أنه يعطي أقواماً يرجو تألفهم لما عندهم من الضعف، وأنه يترك أناساً لما عندهم من قوة الإيمان، فلا يعطيهم مثلما يعطي من كان إسلامهم يحتاج إلى أن يرسخ في قلوبهم وأن يؤلفوا على الإسلام وأن يتمكن الإيمان من قلوبهم.

والإحسان هو أكمل الدرجات الثلاث، وقد ذكر الله عز وجل الإحسان في القرآن وأن جزاءه الإحسان فقال: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:٦٠]، وقال: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحسنى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦] والحسنى هي الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل، كما جاء ذلك مفسراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صهيب الذي أخرجه مسلم في صحيحه.

وفي القرآن أن الحسنى إنما تكون للمحسنين، قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحسنى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦].

وفي مقابل ذلك فإن السوأى للمسيئين، كما قال الله عز وجل: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى} [الروم:١٠].

فقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحسنى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦] يقابله قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى} [الروم:١٠]، والسوأى هي النار، والمراد أنهم أساءوا أعمالهم حتى أوصلتهم إلى النار، فكانوا من أهلها، والآية في حق الكفار؛ لأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويستهزئون بها.