للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقسام توحيد الله]

قوله: (أن تؤمن بالله) الإيمان بالله عز وجل يكون بالإيمان بربوبيته، وإلاهيته، وأسمائه وصفاته.

أما الإيمان بربوبيته: فأن تؤمن بأنه واحد في الخلق والإيجاد والتدبير والتصرف في الكون، أي: واحد في أفعاله، فليس لله شريك في ذلك، فتوحيد الربوبية هو توحيده في أفعاله، فهو واحد فيها ولا شراكة لغيره فيها، فهو المتفرد بخلق السموات والأرض، وبخلق المخلوقات كلها، وهو رب كل شيء ومليكه والمتصرف فيه كيف يشاء، فهذا هو توحيد الربوبية، فتوحيد الربوبية توحيد الله تعالى في أفعاله، أي أنه واحد في أفعاله لا شريك له فيها، فهو الذي خلق السموات والأرض وخلق كل شيء، ولم يشاركه في ذلك مشارك، بل هو مستقل بالخلق والإيجاد سبحانه وتعالى.

وأما توحيد الإلهية فهو توحيده بأفعال العباد من دعاء واستعاذة واستغاثة واستعانة وذبح ونذر وتوكل ورغبة ورهبة وإنابة وغير ذلك من أفعال العباد، أي أنهم يجعلونها لله خالصة، ولا يجعلون مع الله تعالى شريكاً فيها، فيكون الله سبحانه وتعالى هو المفرد بالعبادة كما أنه المتفرد بالخلق والإيجاد، فكما أنه لا شريك له في الخلق والإيجاد فيجب أن لا يكون له شريك في العبادة، والكفار الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا مقرين بتوحيد الربوبية، ولكنهم جاحدون لتوحيد العبادة، وقد جاء في القران آيات كثيرة فيها اعترافهم بأن الله تعالى هو المتفرد بالخلق والإيجاد، ولكنهم أنكروا تفرده بالإلهية، لذلك بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل ذلك، وكذلك الرسل السابقون أيضاً أرسلوا إلى أقوام ينكرون عليهم دعوتهم إلى إفراد الله بالعبادة، فهم جاحدون لتوحيد الإلهية ومنكرون له، لذلك بعث الله عز وجل الرسل بدعوتهم إليه، كما قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦]، فما طلب منهم أن يقروا بوجود الله وبربوبيته؛ لأنهم كانوا مقرين بذلك، ولكن الشيء الذي أنكروه هو توحيد الإلهية، ولهذا قال: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ، فمهمة كل رسول أن يأمر قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة غيره، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥]، فكل رسول أرسله الله عز وجل يوحي إليه بأن يُعبد اللهُ وحده لا شريك له، وهاتان الآيتان تدلان على أن كل رسول هذه مهمته، ثم جاءت آيات مفصلة مع كل نبي يدعو قومه، فكل نبي يقول: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [المؤمنون:٣٢]، فكل رسول -سواء قٌص علينا خبره أو م يقص، وسواء جاء ذكره في القرآن أو لم يجيء- كان يدعو الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة غيره، وجاء ذلك إجمالاً وتفصيلاً، إجمالاً في هاتين الآيتين وأشباههما، وتفصيلاً في قصة كل رسول من الرسل.

إذاًَ: فهذه هي مهمة الرسل، وهذا هو الذي أوقع الخصومة بين الرسل وأقوامهم؛ لأن أقوامهم أنكروا أن تكون العبادة لله وحده، فهم يعبدونه ويعبدونه معه آلهة أخرى، فلم يخصوه بالعبادة؛ لأنهم نشئوا على عبادة غير الله عز وجل، وسواء عبدوه مع غيره أو عبدوا غيره فحسب، لكنهم مقرون بأن الله تعالى هو المتفرد بالخلق والإيجاد.