وكل أمر مقدر لا بد فيه من أمور أربعة: الأول: الإيمان بعلم الله الأزلي الذي لا بداية له، فالله تعالى ليس له بداية، وليس لعلمه بداية، والله تعالى علم كل ما هو كائن، علم الله تعالى ذلك في الأزل قبل أن يخلق اللوح المحفوظ.
الأمر الثاني: الكتابة في اللوح المحفوظ، فقد خلق الله تعالى اللوح المحفوظ، وخلق القلم فأمره بكتابة كل ما هو كائن إلى يوم القيامة، وقد جرى القلم بكتابة ما هو كائن، وذلك قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، يقول الله عز وجل:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}[الحديد:٢٢]، {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا}[التوبة:٥١].
الأمر الثالث: الإرادة والمشيئة، وهو أن الله عز وجل أراد أن يوجد هذا الذي علمه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فالشيء الذي شاءه الله لا بد من أن يوجد، والشيء الذي لم يشأه الله لا يمكن أن يوجد، ولهذا فعقيدة المسلمين في القدر مبنية على هاتين الكلمتين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
ولهذا يقول الشاعر: ما شئتَ كان وإن لم أشأ وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن فما شئتَ -يا الله! - كان وإن لم أشأ، وما شئتُ أنا إن لم تشأ لم يكن، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ومشيئة الله عز وجل نافذة.
الأمر الرابع: الخلق والإيجاد طبقاً لما علمه أزلاً، وطبقاً لما كتبه في اللوح المحفوظ ولما شاء الله عز وجل، والله تعالى هو خالق العباد، وخالق أفعال العباد، قال الله عز وجل {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات:٩٦] إذاً: فلا بد في الإيمان بالقدر أن يؤمن الإنسان بهذه المراتب الأربع، وكل أمر مقدر يكون في هذه الأمور الأربعة، مثاله: وجودنا في مكان معين مجتمعين، فالهيئة التي نكون عليها والكيفية قد سبق بها علم الله عز وجل أزلاً، فقد سبق علمه تعالى بأننا سنجتمع في ذلك الوقت وفي هذا المكان، وكتب الله ذلك في اللوح المحفوظ، وشاء الله أن نجتمع، ثم حصل اجتماعنا وأوجد الله ذلك الذي علمه وكتبه وشاءه، فتجتمع هذه الأمور الأربعة في كل مقدر.