للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أبواب الخير: صوم التطوع]

قوله صلى الله عليه وسلم: (الصوم جنة) المقصود بذلك صوم التطوع؛ إذ إن صوم رمضان قد ذكر سابقاً ضمن الواجبات؛ وهذه الأمور التي ستذكر إنما هي من باب التطوع، وليست من باب الفرض.

ثم ذكر النوافل التي بها زيادة الإيمان وزيادة الكمال وزيادة الأجر والثواب عند الله عز وجل، فقال: (الصوم جُنَّة) والجُنَّة: هي الوقاية التي يُتقى بها ما يُحذر ويُخاف، ولهذا يقال للترس الذي يتقى به السهام: جُنَّة.

فالصوم جُنة في الدنيا من المعاصي وفي الآخرة من النار.

ويدل للأول -وهو أن الصوم جنة في الدنيا- قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء).

أي: أن من قدر على الزواج فليتزوج وليقض وطره، ومن عجز ولم يتمكن من ذلك لعدم القدرة المالية التي توصله إليه فإن عليه أن يكثر من الصوم؛ لأن الصوم يضعف شهوته ويُوهن قوّته، فيسلم بذلك من الوقوع في الفاحشة واقتراف الأمر المحرم، فإن الصوم يكبح جماح النفس، ويقمع شدة الشهوة؛ لأنه يكون فيه إضعاف للنفس، بخلاف الإفطار، فإنه يكون فيه النشاط وفيه الأكل والشرب والاستمتاع، فهو الذي يجعل الإنسان فيه هذه الشهوة، والصوم يضعفها، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى ما يكون به السلامة من الوقوع في الفاحشة والوقوع في الأمر المحرم، فإذا لم يستطع الإنسان أن يقضي شهوته بطريق الحلال فإن عليه أن يصوم حتى لا يقع في الأمر المحرم؛ لأن الصوم يضعف شهوته، فلا يكون عنده الاندفاع والرغبة التي تجعله يقدم على تفريغها وعلى حصولها بطريق محرمة.

وأما الوقاية التي يحدثها الصوم في الآخرة: فهي السلامة من النار في الآخرة، وقد جاء في الحديث الصحيح: (من صام يوماً في سيبل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً).

فصوم التطوع يكون جُنّة من المعاصي وجُنّة من النار.