للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الوصية بتقوى الله تعالى]

قال: (قلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال عليه الصلاة والسلام: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد) فذكر هاتين الوصيتين: الوصية الأولى: تقوى الله عز وجل، وتقوى الله عز وجل هي أن يجعل الإنسان بينه وبين غضب الله وقاية تقيه منه، وذلك باتباع الأوامر واجتناب النواهي، وتصديق الأخبار، وأن تكون العبادة لله وفقاً لما جاء عن الله ورسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وتقوى الله عز وجل هي وصية الله للأولين والآخرين، قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:١٣١] فتقوى الله عز وجل هي الوصية للأولين والآخرين، ويأتي الأمر بتقوى الله كثيراً في القرآن، ولاسيما مع الآيات التي تبدأ بـ (يا أيها الذين آمنوا) التي فيها الخطاب للمؤمنين، فكثيراً من هذه الآيات يأتي بعدها الأمر بالتقوى، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩] , {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران:١٠٢] , {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:١٨]، وهكذا يأتي خطاب الله عز وجل للمؤمنين وبعده الأمر بتقوى الله عز وجل، وقد جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إذا سمعت الله يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) فأرع لها سمعك، فإنها إما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه.

وهذا الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه ذكره ابن كثير رحمه الله في أول تفسير سورة المائدة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة:١]، ومحله المناسب في أول موضع من القرآن في سورة البقرة, وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا} [البقرة:١٠٤] فهذا أول موضع في القرآن، وهو المحل المناسب لأن يذكر فيه، وقد جاءت هذه الجملة في عدة مواضع قبل سورة المائدة ومع ذلك ذكره هناك، ولا شك أن أول سورة بدئت بـ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) هي سورة المائدة.

فهذا الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه يقول فيه: إذا سمعت الله يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) فأرع لها سمعك, فإنها إما خير تؤمر به، وإما شر تنهى عنه.

ويأتي أحياناً بعد الخطاب بهذا الوصف للمؤمنين الأمر بتقوى الله عز وجل, وتقوى الله عز وجل هي سبب كل خير وفلاح وسعادة في الدنيا والآخرة؛ لأن سعادة الدنيا والآخرة إنما تكون في تقوى الله, قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:٢ - ٣]، ويقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق:٤]، ويقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق:٥]، ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًاِ} [الأنفال:٢٩]، ويقول: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:٢٨٢]، فتقوى الله عز وجل هي سبب كل خير وصلاح وفلاح في الدنيا والآخرة.