[الإيمان بالملائكة الكرام عليهم السلام]
الملائكة خلق من خلق الله، ولا يعلم عددهم إلا الله، وقد جاء في السنة بيان أنهم خلقوا من نور، كما جاء فيها بيان أن الجان خلق من مارج من نار، وأن الإنسان خلق مما وصف لنا في القرآن، كما قال عليه الصلاة والسلام: (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم) أي: من طين وتراب وصلصال كالفخار، كما جاء ذلك في القرآن.
فإذاً: أصل الملائكة من نور، وأصل البشر من تراب، وأصل الجن من مارج من نار، كما جاء ذلك في القرآن وكما جاء مبيناً في السنة في هذا الحديث الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله تعالى خلق الملائكة ذوي أجنحة، كما قال الله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر:١]، وقد ثبت في السنة أن جبريل له ستمائة جناح، وقد رآه النبي عليه الصلاة والسلام مرتين على هيئته التي خلقه الله عليها: مرة عند سدرة المنتهى لما عُرج به إلى السماء، ومرة رآه في الأرض وقد سد الأفق لضخامة حجمه، وهذا المخلوق الذي هو بهذه العظمة يتحول بقدرة الله عز وجل فيصير على صورة إنسان، كما مر بنا في أول الحديث، حيث جاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم على صورة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد، فالملائكة يتشكلون من خلقهم إلى خلق آخر كخلق الإنسان، كما حصل لجبريل حيث كان يأتي بصورة رجل مجهول، وجاءه في صورة دحية بن خليفة الكلبي أيضاً، وجاء جبريل إلى مريم في صورة بشر، وكما جاء ضيوف إبراهيم إلى إبراهيم في صورة بشر، وكذلك ذهبوا إلى لوط وهم على صورة البشر، فالله عز وجل يجعلهم يتحولون من خلقهم الذي هم عليه إلى خلق آخر، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وهذا الذي يحصل منهم لا يقال: إنه دليل على جواز التمثيل.
وهذا الحديث لا يدل على جواز التمثيل؛ فإن التمثيل محرم، وهو من الكذب الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (ويل لمن يحدث فيكذب ليضحك القوم، ويل له ثم ويل له)، فلا يدل الحديث على جواز التمثيل؛ لأن هذا المخلوق هو نفسه الذي سد الأفق، فجاء على هذه الصورة والله تعالى هو الذي جعله عليها.
فلا يقال: إنه يجوز للإنسان أنه يمثل شخص غيره، وأن يتكلم على أساس أنه فلان من الناس، أو يقال: هذا يمثل كذا، وهذا يمثل كذا.
حتى وصل الأمر إلى أنهم يمثلون الشيطان، والعياذ بالله.
فالخلاصة أن هذا الحديث لا يدل على التمثيل؛ لأن هذا شيء حصل بقدرة الله عز وجل، وهو الذي قلبه من حال إلى حال، وأما هذا الذي يحصل من هؤلاء الممثلين فهو تكلف وكذب وإتيان بشيء ليس له أساس في الدين.
والإيمان بالملائكة يكون بالإيمان بمن سمي منهم باسمه كجبريل وميكائل وإسرافيل، وكخازن الجنة، وخازن النار، وهو مالك، كما جاء في القرآن، واشتهر أن خازن الجنة اسمه رضوان، وأن ملك الموت اسمه عزرائيل، ولا نعرف شيئاً ثابتاً في ذلك، والذي ثبت في الكتاب والسنة هو اسم جبريل وميكائل وإسرافيل ومالك خازن النار.
فنحن نؤمن بمن سمي باسمه، ومن لم يسمَّ نؤمن به وإن لم نعرف اسمه، ونصدق بكل ما أخبر الله تعالى به -وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم- من بيان أعمالهم، والأمور التي كلفوا بها، وما يتعلق بعباداتهم، وما إلى ذلك من أحوالهم، فكل ما ثبت به الكتاب والسنة يجب التصديق به، وهذا من الإيمان بالغيب؛ لأننا لم نعرف ذلك إلا عن طريق الكتاب والسنة، فلم نشاهدهم ولم نعاينهم حتى نعرفهم، وإنما عرفناهم عن طريق الوحي، بل إنّ الإيمان بالله عز وجل هو من الإيمان بالغيب؛ لأننا لا نعرف عن الله عز وجل إلا ما بينه في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالإيمان بالله من الإيمان بالغيب، والإيمان بالملائكة من الإيمان بالغيب، والإيمان بالكتب من الإيمان بالغيب، والإيمان بالرسل من الإيمان بالغيب، والإيمان باليوم الآخر من الإيمان بالغيب، والإيمان بالقدركذلك، فكل أركان الإيمان الستة الإيمان بها من الإيمان بالغيب، أي أننا ما عرفنا ذلك إلا عن طريق الوحي من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء في الكتاب والسنة بيان كثير من أعمالهم، فمنهم الموكل بالوحي، ومنهم الموكل بالقطر، ومنهم الموكل بالموت، ومنهم الموكل بالجبال، ومنهم الموكل بالأرحام، ومنهم الموكل بالجنة، ومنهم الموكل بالنار، ومنهم الموكل بالحفظ، ومنهم الموكل بالكتابة، فهذه أعمال كثيرة ذكرها الله سبحانه وتعالى وبينها في كتابه، وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، وكل ما جاء في الكتاب والسنة من أخبارهم يجب التصديق به.
وهم كثرة لا يعلمهم إلى الله سبحانه وتعالى، ومما يدل على كثرتهم ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما منكم من أحد إلا وله قرين من الجن وقرين من الملائكة)، فهذا يدل على كثرتهم؛ لأن كل إنسان له قرين من الملائكة، ومما يدل على كثرتهم -أيضاً- أن البيت المعمور -وهو في السماء السابعة، وهو فوق الكعبة، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة، ومن دخله لا يعود إليه مرة أخرى، فالدخول مرة واحدة لكل ملك، فهذا يدل على كثرتهم.
ومما يدل على كثرتهم -أيضاً- ما جاء في الحديث من أن النار لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، فهؤلاء الذين يجرون النار فقط، فالملائكة جند لا يعلمهم إلّا الله سبحانه وتعالى، والواجب الإيمان بكل ما جاء من الأخبار عنهم في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقدموا في الذكر على ما بعدهم من الكتب والرسل لأن الملك هو الذي يسمع ويأخذ عن الله، فينزل الرسول الملكي -وهو جبريل- على الرسول البشري، وهو محمد صلى الله عليه وسلم والرسل من قبله، وقد وصف الله تعالى جبريل بأنه رسول كريم في سورة التكوير، ووصف نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه رسول كريم في سورة الحاقة، فكل منهما رسول كريم، فهذا رسول ملكي، وهذا رسول بشري، والرسول الملكي هو الذي يأخذ كلام الله عز وجل وينزل به على الرسول البشري.
فقدٍّم ذكر الملائكة لأن جبريل يأخذ عن الله عز وجل، فينزل به على الرسل صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم.