للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المشتبهات في العقائد]

السؤال

هل المشتبهات تكون في العقائد، مثل: كيفية الله، وكيفية ذاته، وصفاته؟

الجواب

ما يتعلق بالله عز وجل هو كيفية ومعنى.

فالمعنى: ليس من قبيل المشتبه، بل هو من قبيل الواضح؛ لأن الناس خوطبوا بكلام يفهمون معناه، ولهذا فالمعنى يكون معلوماً، ولكن الكيف يكون مجهولاً، فالله تعالى يعلمه والناس لا يعلمونه، ولا يجوز أن يقال: إنه مشتبه يعلمه بعض الناس، فإنه لا يعلمه أحد، فهو من أمر الغيب الذي لا يعلمه الناس، وليس من قبيل المشتبه الذي يعلمه بعض الناس، ولهذا جاء عن الإمام مالك رحمة الله عليه أنه لما سئل عن الاستواء قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول.

ولهذا فأهل السنة يفوضون في الكيف، فيقولون: الله أعلم بكيفية ذلك، وكيفيته لا يعلمها إلا الله، وأما بالنسبة للمعنى فلا يفوضونه، وإنما يفهمون المعاني على وفق ما خوطبوا به.

فالسمع معلوم، والبصر معلوم، والكلام معلوم، والحياة معلومة، والاستواء معلوم، وكل هذه الصفات معانيها معلومة، لكن كيفيتها التي هي عليها في نفس الأمر لا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى، فلا يقال هي من المتشابه! فالنصوص في ذاتها ليست من المتشابه التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، بل الناس خوطبوا بكلام يفهمونه، وهم يعلمون ذلك بمقتضى اللغة، وأما الكيفية فهي التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يعلم كيف هو، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين للناس ما يمكنهم أن يعلموه ويعرفوه، وهو ما يتعلق بالمعاني، وأما الكيفيات فلا سبيل له إليها، فلا يقال: إنها من قبيل المشتبهات التي جاءت في هذا الحديث؛ لأن المشتبه الذي جاءت فيه أحاديث يعلمه بعض الناس، ويجهله كثير من الناس فكيفية الصفات ليست من هذا القبيل.

وأهل السنة والجماعة مفوضة في الكيف وليسوا مفوضة في المعنى، وأما الذين يفوضون في المعنى يقولون: إننا لا نعرف ما معنى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، فيزعمون أنها مثل: {الر} [يونس:١] و {الم} [البقرة:١] ومثل: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤] ومثل: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤].

وهذا يعني: أنهم لا يعلمون معنى هذه الآية كما أنهم لا يعلمون المراد بقوله: ((الر)) [يونس:١]؛ لأن {الم} [البقرة:١] ليس كلاماً مركباً حتى يفهم بالتركيب، فالكلام يفهم بتركيبه وباتصال الكلمات بعضها ببعض، لكن هذه حروف مقطعة، والمشهور عند العلماء أنهم يقولون: الله أعلم بمراده بها، لكن بعضهم يقول: لعل المقصود من إيرادها بيان إعجاز القرآن، وذلك أنه يأتي بعد ذكر الحروف المقطعة ذكر القرآن ((الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:١ - ٢]، {الم} [البقرة:١]، {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [آل عمران:٢ - ٣]، {المص * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ} [الأعراف:١ - ٢]، {الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم:١]، وهكذا إلا في مواضع يسيرة جاءت في القرآن ليس فيها ذكر القرآن مثل: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ} [العنكبوت:١ - ٢] ومثل: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم:١ - ٢] فإنه لم يأت بعدها ذكر القرآن.

قالوا: فإن مجيء ذكر القرآن بعد هذه الحروف فيه إشارة إلى أن القرآن معجز، ووجه الإشارة أن القرآن مؤلف من الحروف التي تؤلفون منها كلامكم، ومع ذلك فأنتم لا تستطيعون أن تؤلفوا من هذه الحروف كلاماً مثل هذا الكلام.

نعم، القرآن مؤلف من الحروف، ومع ذلك فأهل الفصاحة والبلاغة لا يستطيعون أن يؤلفوا من هذه الحروف كلاماً مثل هذا الكلام، قالوا: إذاً فيه إشارة إلى إعجاز القرآن.

ف الذين يقولون إن المعاني في الصفات مجهولة وأنهم يفوضون فيها، يقولون: إن {الر} [هود:١]، مثل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] فلا نعرف معنى {الر} [هود:١]، ولا نعرف معنى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، وهذا كلام باطل وغير صحيح، ومن قال: إن هذا هو مذهب السلف؟! ولهذا فعلماء الكلام معروفون بالتأويل، وسلفهم القائلون بالتفويض، كما يقول صاحب الجوهرة: وكل لفظ أوهم التشبيهَ أَوَّلْه أو فَوّضْ ورُمْ تنزيهاً فعندهم أن المعاني لا يتكلم في معناها، فيقولون: الله أعلم بالمراد بها.

ونسبة ذلك إلى سلف هذه الأمة من الصحابة ومن بعدهم هذا قول باطل وغير صحيح؛ فالسلف ليسوا مفوضة في المعنى، وإنما هم مفوضة في الكيف، ولهذا يقول بعض أهل العلم: من زعم أن مذهب السلف في الصفات هو التفويض في المعنى فقد ارتكب ثلاثة محاذير: المحذور الأول: أنه لا يعرف مذهب السلف، ومذهب السلف هو الذي بينه مالك في قوله: الاستواء معلوم.

معنى ذلك: أن المعنى معروف وليس بمجهول، فالمعنى لا يفوض، فيقال: الله أعلم بمراده بـ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] فهذا جاهل بمذهب السلف.

المحذور الثاني: أنه مجهّل للسلف، يعني: نسبهم إلى الجهل، وأنهم قد خوطبوا بكلام لا يفهمون معناه.

المحذور الثالث: أنه كاذب على السلف؛ لأنه نسب إليهم شيئاً لم يقولوه ولم يعتقدوه وهو التفويض بالمعنى، فإنهم لا يفوضون المعنى وإنما يفوضون الكيف، وهم قد خوطبوا بكلام يفهمون معناه.