[ضرر مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم في الاتباع]
جاء عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه جاء إلى أناس متحلقين في المسجد وفي أيديهم حصى وفيهم شخص يقول: هللوا مائة، كبروا مائة، سبحوا مائة، احمدوا مائة.
فيعدون بالحصى, فوقف على رءوسهم أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود فقال: إما أن تكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أنكم مستفتحو باب ضلالة.
أي: هذا ما كان الصحابة يعرفونه, وما كان هذا من هدي الصحابة، وما كان من عمل الصحابة، فأنتم بين واحدة من اثنتين: إما أنكم أحسن من الصحابة، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة.
فهموا أن الأولى منتفية، ولا يمكن أن يكونوا أحسن من الصحابة، ولا يمكن أن يكونوا على طريقة أهدى مما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما بقيت الثانية، وهي أنهم مفتتحو باب ضلالة, فقالوا: سبحان الله يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير.
قال: وكم من مريد للخير لم يصبه.
فليست القضية في كون الإنسان يقول: أنا قصدي طيب وأنا قصدي حسن، وما دام قصدي طيباً حسناً فليس هناك بأس ولو كان الذي أعمله ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
فلابد أن يعبد الله وفقاً لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو معنى شهادة أن محمداً رسول الله؛ لأن شهادة أن محمداً رسول الله معناها طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع, ولا يعبد بالبدع والمحدثات والمنكرات التي ما أنزل الله بها من سلطان, وإنما يعبد بالسنن وبما جاء في الكتاب والسنة، فهذا هو الذي يعبد الله عز وجل به, فشريعة الله عز وجل كاملة لا نقص فيها, ولا تحتاج إلى إضافات، ولا تحتاج إلى بدع محدثة, وكلام الإمام مالك الذي أشرت إليه آنفاً واضح جداً حيث قال: من قال: إن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة.
فما دام أن ما يفعله المبتدع حسن فمعنى ذلك أن الدين ناقص يحتاج إلى تكميل, ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم ما بلغ هذا الشيء الذي الناس بحاجة إليه.
ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ الناس كل ما يحتاجون إليه, فما ترك أمراً يقرب إلى الله إلا دل الأمة عليه, وما ترك أمراً يباعد من الله إلا حذر الأمة منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد جاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما يبين تبليغ النبي صلى الله عليه وسلم في كل الأمور حتى آداب قضاء الحاجة، فقد قال بعض الناس لـ سلمان رضي الله عنه: علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة! قال: (نعم علمنا ألا نستنجي برجيع ولا بعظم، وأن نستنجي بثلاثة أحجار) وذكر شيئاً من آداب قضاء الحاجة.
فكيف تبين الشريعة آداب قضاء الحاجة ولا تبين أصول الدين حتى يأتي أناس بعد الصحابة يحدثون أموراً منكرة ويقولون: هذه هي العقيدة وهذا هو الحق والهدى؟! كيف يكون شيء ما عرفه الصحابة وما ظفر به الصحابة حقاً وهدى؟! أيحجب خيراً عن الصحابة ويدخر لأناس؟! لا شك أن الذي حجب عنهم ضلال، والذي ابتلي به الذين جاءوا بعدهم ضلال، ولو كان خيراً لسبقوا إليه, لكنه شر فسلموا منه وابتلي به من بعدهم، فرضي الله تعالى عن الصحابة وأرضاهم، وعلى هذا فإن البدع كلها ضلال بنص هذا الحديث الذي قال فيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (وكل بدعة ضلالة).
هذا هو حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه الحديث العظيم المشتمل على هذه القواعد العامة وعلى هذه الوصايا النافعة الجامعة ممن أوتي جوامع الكلم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.