للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر مناقب الإمام النووي وبعض مؤلفاته]

كان النووي -رحمه الله- معروفاً بالزهد والورع والصلاح، والحرص على إفادة الناس، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكتابه هذا -الأربعون النووية- اشتهر دون غيره من الكتب الأخرى التي كتبت وجمعت في هذا الموضوع، وهي كثيرة، ولكن لم يشتهر كتاب في الأربعين مثلما اشتهر كتابه؛ فإنه لقي عناية خاصة من العلماء، وصار هو الكتاب الذي يبدأ بحفظه في الحديث عند طلبة العلم.

وعدد هذه الأحاديث اثنان وأربعون حديثاً جمعها الإمام النووي، وأضاف إليها الحافظ ابن رجب ثمانية أحاديث، فأكملها خمسين حديثاً، وشرحها في كتاب واسع قيم عظيم، وهو (جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم).

والإمام النووي -رحمه الله- ليس من المعمرين، فقد عاش خمساً وأربعين سنة، فولادته كانت في سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وتوفي في سنة ست وسبعين وستمائة، ومع ذلك خلف مؤلفات وثروة عظيمة: فيما يتعلق بالحديث، وفيما يتعلق بالفقه، وفيما يتعلق بالمصطلح، وفيما يتعلق بعلوم القرآن، وفيما يتعلق باللغة، فمع قصر عمره وقلة مدته نفع الله تعالى بعلومه، وحصلت منه هذه الثروة العظيمة الواسعة.

وكتاباه (الأربعون النووية) و (رياض الصالحين) كتابان مشهوران يعرفهما الخاص والعام، وكتابه (المجموع شرح المهذب) من أحسن الكتب التي ألفت في الفقه، فإنه كتاب واسع، وهو من أوسع الكتب التي اعتنت بأقوال الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم، وكذلك استيعاب المسائل، والتحقيق فيها والتدقيق مع الاجتهاد.

وقد كان شافعي المذهب، ولكنه يرجح على حسب ما يدل عليه الدليل، وذلك لجمعه بين الفقه والحديث، فكان فقيهاً محدثاً رحمه الله، وكتابه مع كتاب (المغني) لـ ابن قدامة هما الكتابان المشهوران في الفقه في سعة العلم وفي الفقه العام الذي ليس متقيداً بمذهب معين، وإن كان قد شرح فيه (كتاب المهذب) لـ أبي إسحاق الشيرازي الشافعي، إلا أنه مثل ابن قدامة الذي شرح (مختصر الخرقي) في كتابه (المغني)، حيث ذكرا أقوال الصحابة والتابعين، وكذلك أقوال الأئمة الأربعة وغيرهم مع الترجيح، وبيان الأدلة في ذلك، وهما كتابان لا يستغني عنهما طالب العلم، فهما كتابان واسعان ومفيدان وعظيمان.

وللإمام النووي كتب أخرى كثيرة، مثل (الأذكار)، (تهذيب الأسماء واللغات) وغيرهما، ومع كثرة هذه المؤلفات كان عمره قصيراً، فهذه أعمار بارك الله تعالى لأصحابها فيها، حيث عمروها بخدمة العلم وتحقيقه وتدوينه ونشره، فصار من بعدهم يرجع إلى كتبهم ويستفيد منهم، ويدعو لهم في مختلف العصور والأوقات.