قال صلى الله عليه وسلم:(ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)، وهذا من الأدلة على تأكد حق الجار، وأن حقه عظيم على جاره ومعلوم أن الجيران بينهم من الصلة والارتباط والتقارب ما يسبب بينهم الخير والشر؛ ولهذا جاء الترغيب في إكرامه، وتأكيد حقه، والترهيب من إيذائه، وإلحاق الضرر به، وهذا الحديث من أدلة إكرامه، حيث قال:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره).
وقد ثبت في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)، فمن تأكيد حقه وعظيم حقه ظن أنه سينزل عليه وحي بأن له نصيباً من الميراث، فإذا مات الإنسان فإنه يكون من جملة الورثة، وإن لم يحصل التوريث، وإن لم ينزل وحي به، إلا أن هذا يدل على أنه من آكد الحقوق.
وهذا يتعلق بإكرام الجار والوصية به.
وأما التحذير من إيذائه فقد جاء في بعض الروايات لهذا الحديث قال:(ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره)، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه)، يعني: غوائله وشروره.
فالحاصل: أن على المسلم أن يحسن إلى جاره، ويكرمه ويوصل إليه كل خير، ويدفع عنه كل شر البر يوصله إليه والضرر يدفعه عنه، ويكون هو وإياه في راحة وطمأنينة، فلا يكون بينهما خصام ولا شحناء ولا عداوة، وإنما التآلف والتقارب، والإحسان من بعضهم لبعض.
ثم إن الجيران يتفاوتون: فمنهم من يكون قريباً في النسب وهو مسلم، فله ثلاثة حقوق: حق الإسلام، وحق القرابة، وحق الجوار، وإذا كان ليس بقريب ولكنه مسلم فله حقان: حق الإسلام، وحق الجوار، وإن لم يكن مسلماً ولا قريباً فله حق واحد: وهو حق الجوار، حتى ولو كان كافراً فيحسن إليه بدعوته إلى الإسلام، والحرص على هدايته، ودفع الإيذاء عنه، وكذلك يكون بالإهداء إليه وإعطائه والإحسان إليه، وإتحافه بما يحصل عنده من شيء يتحفه به، وعندما يكون هناك طعام فيعطيه منه ويحسن إليه، وهذا من أسباب دعوته إلى الإسلام بالقدوة وبالمعاملة الطيبة، فيكون الإنسان قد جمع بين الدعوة إلى الله بالفعل والدعوة بالقول؛ حيث يدعو من كان كافراً إلى الإسلام، وأيضاً يرى الكافر منه المعاملة الطيبة والأخلاق الكريمة التي يأمر بها الإسلام، فقد يكون ذلك من أسباب إسلامه ودخوله في الإسلام.
ثم إن الجيران أيضاً متعددون، ولكن أولاهم بالإحسان والبر أقربهم باباً إليه، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم:(إن لي جيران فإلى أيهم أهدي؟ قال: إلى من كان أقربهم باباً)، فمن كان أقربهم باباً فهو الذي يهدى إليه؛ وذلك لأن من كان أقرب باباً يشاهد ويرى ما يدخل ويخرج من بيته، وقد يرى شيئاً فتتعلق به نفسه وتتطلع إليه، فكونه يحسن إليه يكون أولى من الأشخاص الذين أبوابهم متباعدة أو من خلف البيت ولا يراهم إلا بزيارتهم أو بالتلاقي معهم في المسجد، بخلاف الذي يكون بابه مجاوراً وقريباً من بابه، فإنه يرى ما يدخل على جاره وما يخرج منه، فيكون أولى من غيره بالبر والإحسان، وإن كان الأولى إذا كان هناك مجال بأن يحسن إليهم أجمعين فيحسن؛ ولكن حيث لا يتمكن الإنسان من الإحسان إلى الجميع، وإنما يقدم ويؤخر، فالذي يقدم هو من كان أقرب باباً من غيره.