ثم قال صلى الله عليه وسلم:(وصلاة الرجل من جوف الليل).
يعني: أنه من أبواب الخير؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أبواباً ثلاثة من أبواب الخير: الصوم، والصدقة، وقيام الليل، فالصدقة نفعها متعد، والصوم وقيام الليل نفعهما قاصر لا يتعدى.
وقيام الليل هو أفضل الصلاة بعد الفريضة، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أفضل الصلاة بعد الفريضة: قيام الليل)، وهو أفضل التطوع الذي يتطوع به من الصلوات، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تلا قول الله عز وجل:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة:١٦ - ١٧] تلا هاتين الآيتين المشتملتين على بيان هذا العمل الصالح، وأن أولياء الله عز وجل الذين يحصل منهم هذا العمل الصالح يرغبون ويرهبون، وجزاؤهم الجنة بسبب أعمالهم التي عملوها وقدموها في هذه الحياة.
ومما ينبغي أن ينبه عليه: أن الإنسان إذا وعظ أو ذكّر فمرت به آية فعليه أن يأتي بها كما كان يُحدّث، ولا يتحول من كونه يخاطب الناس إلى كونه يقرأ القرآن ويصير كأنه قارئ تالٍ؛ فإن مقام الاستدلال غير مقام التلاوة، فبعض الناس تجده يخاطب الناس، فإذا مرت به آية تحول إلى كونه قارئاً، فالذي يسمعه يظن أنه قارئ، وليس محدثاً ولا مذكراً ولا خطيباً، وإنما يظنه قارئاً للقرآن.
فمقام الاستدلال غير مقام القراءة.
وقوله:(وصلاة الرجل من جوف الليل) ذِكْر الرجل هنا لا مفهوم له، بل المرأة كذلك، وإنما ذكر الرجل؛ لأن أن الغالب أن الخطاب مع الرجال، وإلا فإن الأصل التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، ولا يصار إلى الفرق بينهما إلا إذا وجد ما يدل على أن هذا الحكم خاص بالرجال دون النساء أو العكس، كما يأتي في بعض الأحاديث بيان التفريق بين الرجال والنساء في بعض الأحكام، مثل مسألة الغسل من بول الرضيع الذي لم يأكل الطعام، فإنه يكون فيه النضح من بول الغلام والغسل من بول الجارية، وكذلك الجنازة إذا كانت رجلاً يكون الإمام عند رأسه، وإذا كانت امرأة يكون في وسطها، فهذه من الأمور التي يحصل فيها التفريق بين الرجال والنساء، وكذلك فيها يتعلق بالعقيقة والدية والشهادة والميراث والعتق، وهي خمسة أمور تكون النساء فيها على النصف من الرجال.
فالأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، وعلى هذا فإن قوله في الحديث:(وصلاة الرجل) لا مفهوم فيه لذكر الرجل، بل مثله المرأة.