للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فوائد حديث (أمرت أن أقاتل الناس)]

والحاصل أن هذا الحديث -حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما- حديث عظيم، وهو من جوامع كلم الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقد كتبت بعض الفوائد حول هذا الحديث فنقرؤها.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحديث الثامن: [عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى)، رواه البخاري ومسلم].

١ - قوله: (أمرت)، الآمر للرسول صلى الله عليه وسلم هو الله؛ لأنه لا آمر له غيره، وإذا قال الصحابي: أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا، فالآمر والناهي لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

٢ - لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله عنه، وارتد من ارتد من العرب، وامتنع من امتنع من دفع الزكاة، عزم أبو بكر رضي الله عنه على قتالهم، بناءً على أن من حق الشهادتين أداء الزكاة، ولم يكن عنده الحديث بإضافة الصلاة والزكاة إلى الشهادتين كما في هذا الحديث.

فناظر عمر أبا بكر في ذلك، وجاءت المناظرة بينهما في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم قال: (لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر العرب، قال عمر بن الخطاب لـ أبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحق وحسابهم على الله.

فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق).

قال الحافظ في الفتح (١/ ٧٦): وقد استبعد قوم صحته، بأن الحديث لو كان عند ابن عمر لما ترك أباه ينازع أبا بكر في قتال مانعي الزكاة، ولو كانوا يعرفونه لما كان أبو بكر يقر عمر على الاستدلال بقوله عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله).

وينتقل عن الاستدلال بهذا النص إلى القياس، إذ قال: لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ لأنها قرينتها في كتاب الله.

و

الجواب

أنه لا يلزم من كون الحديث المذكور عن ابن عمر أن يكون استحضره في تلك الحالة، ولو كان مستحضراً له فقد يحتمل ألا يكون قد حضر المناظرة المذكورة، ولا يمتنع أن يكون ذكره لهما بعد.

ولم يستدل أبو بكر في قتال مانعي الزكاة بالقياس فقط، بل أخذه أيضاً من قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه: (إلا بحق الإسلام)، قال أبو بكر: والزكاة حق الإسلام.

ولم ينفرد ابن عمر رضي الله عنهما بالحديث المذكور، بل رواه أبو هريرة أيضاً بزيادة الصلاة والزكاة فيه، كما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في كتاب الزكاة.

وفي القصة دليل على أن السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة، ويطلع عليها آحادهم؛ ولهذا لا يلتفت إلى الآراء ولو قويت مع وجود سنة تخالفها، ولا يقال: كيف خفي ذا على فلان؟ والله الموفق.

٣ - يستثنى من عموم مقاتلة الناس حتى الإتيان بما ذكر في الحديث أهل الكتاب إذا دفعوا الجزية لدلالة القرآن، وغيرهم إذا دفعها لدلالة السنة على ذلك، كما في حديث بريدة بن الحصيب الطويل في صحيح مسلم وأوله: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً)، الحديث.

وهذا حديث طويل يتعلق بالجهاد والوصية التي يكون عليها المجاهدون في سبيل الله.

وقد أخرجه مسلم في صحيحه وشرحه ابن القيم في كتابه (أحكام أهل الذمة).

وأنا قد أشرت إلى أنه تؤخذ منه الجزية؛ لأن الحديث هذا نفسه فيه أخذ الجزية، فأنا ذكرت أوله وهو حديث طويل، قال: (ادعهم إلى ثلاث خصال فإنهم أجابوك)، وذكر منها الجزية.

٤ - يكفي للدخول في الإسلام الشهادتان، وهما أول واجب على المكلف، ولا التفات لأقوال المتكلمين في الاعتماد على أمور أخرى، كالنظر أو القصد إلى النظر.

قال ابن دقيق العيد في شرح هذا الحديث: وفيه دلالة ظاهرة لمذهب المحققين والجماهير من السلف والخلف، أن الإنسان إذا اعتقد دين الإسلام اعتقاداً جازماً لا تردد فيه كفاه ذلك، ولا يجب عليه تعلم أدلة المتكلمين ومعرفة الله بها.

٥ - المقاتلة على منع الزكاة تكون لمن امتنع عنها وقاتل عليها، أما إذا لم يقاتل فإنها تؤخذ منه قهراً.

٦ - قوله: (وحسابهم على الله)، أي: من أظهر الإسلام وأتى بالشهادتين فإنه يعصم ماله ودمه، فإن كان صادقاً ظاهراً وباطناً نفعه ذلك عند الله، وإن كان الباطن بخلاف الظاهر وكان أظهر ذلك نفاقاً فهو من أهل الدرك الأسفل من النار.

٧ - ما يستفاد من الحديث:- - الأمر بالمقاتلة إلى حصول الشهادتين والصلاة والزكاة.

- إطلاق الفعل على القول، لقوله: (فإذا فعلوا ذلك)، ومما ذكر قبله الشهادتان، وهما قول.

- إثبات حساب الأعمال يوم القيامة.

- أن من امتنع من دفع الزكاة قوتل على منعه حتى يؤديها.

- أن من أظهر الإسلام قبل منه ووكل أمر باطنه إلى الله.

- التلازم بين الشهادتين وأنه لابد منهما معاً.

- بيان عظم شأن الصلاة والزكاة، والصلاة حق البدن، والزكاة حق المال.