ولما رغب عليه الصلاة والسلام في اتباع السنن وحث عليها رهب بعد ذلك من خلافها ومما يخالفها من البدع المحدثة، فقال:(وإياكم ومحدثات الأمور)، ومحدثات الأمور هي الاختلاف الكثير الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم قبل هذا الترغيب والترهيب حيث قال:(فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً) فهذا الاختلاف الكثير هو من البدع في العقائد التي ظهرت، كالجبرية, والقدرية، والمرجئة، والخوارج وما إلى ذلك من البدع، وكل هذه من محدثات الأمور، وكلها من التفرق والاختلاف الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من عاش من أصحابه فسيدرك شيئاً منه.
قوله:(وإياكم ومحدثات الأمور) أي: تلك الأمور التي حصل الاختلاف فيها، والتي خرج أصحابها عن الجادة وعن اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الخلفاء الراشدون, فهذا هو الذي يحذر منه، وهذا هو الذي يرهب منه.
وجاء في سنن أبي داود:(فإن كل محدثة بدعة) أي: هذه المحدثات ليس لها أساس في الدين ولم تكن مبنية على نص من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما اتفقت عليه، فهي من المحدثات المنكرة المبتدعة التي لا يجوز الأخذ بها، والتي يجب الحذر منها والابتعاد عنها, وقد قال عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة رضي الله عنها (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) وفي لفظ لـ مسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
فهذه المحدثات مردودة على صاحبها ولا ينتفع بها صاحبها، بل هي مردودة عليه؛ لأنها مخالفة للسنة، ولأنها محدثة على خلاف السنة, ولذلك قال:(من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) وهنا قال: (وإياكم ومحدثات الأمور) فأي محدثة في دين الله باطلة؛ لأنه ليس لها أساس في دين الله، ولا يدل عليها كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.