عن أبي هريرة رضي الله عنه:(أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تغضب، فكرر مراراً، قال: لا تغضب)، رواه البخاري.
هذا الحديث من أقصر الأحاديث وأقلها لفظاً ومبنى؛ ولكنه عظيم وواسع وجامع، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه متكون من كلمتين:(لا تغضب).
وفيه: أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا حريصين على الخير؛ وذلك لطلب هذا الرجل من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه وصية يأخذ بها، فكون الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم ويسألونه الوصية، فإن هذا يدلنا على حرص الصحابة على الخير، وعنايتهم بمعرفة الأحاديث وتلقيهم عن النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ويحتمل أن يكون هذا الرجل السائل متصفاً بصفة الغضب، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشده إلى ما هو متعلق ومتصف به، والنهي عن الغضب المقصود منه النهي عن الأسباب التي توصل إليه، والآثار التي تترتب عليه، وأما نفس الغضب فإن الناس يتفاوتون فيه، والله تعالى قد يطبع بعض الناس على أن يكون غضوباً، وبعضهم على أن يكون حليماً، وأن لا يستفزه الكلام، ولا يسرع إليه الغضب.
والنهي عن الغضب إنما هو نهي عن الأسباب التي توصل إليه، وعدم الأخذ بها، وكذلك الآثار التي تترتب عليه، وهي كون الإنسان يعمل أعمالاً قبيحة بسبب الغضب، أو يقول أقوالاً ويتفوه بكلام بسبب الغضب، فإنه مأمور بأن يبتعد عن الأسباب التي تؤدي إلى الغضب، فإذا وجد الغضب فإنه مطلوب منه أن يكظم الغيظ، وأن لا يأتي بما يترتب عليه من مد يديه أو إطلاق لسانه في أمور تعود عليه وعلى غيره بالمضرة.