يقول ابن رجب: وقد كان السلف الصالح يجتهدون في الأعمال الصالحة حذراً من لوم النفس عند انقطاع الأعمال على التقصير، وفي الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً:(ما من ميت يموت إلا ندم، إن كان محسناً ندم على ألا يكون ازداد، وإن كان مسيئاً ندم ألا يكون استعتب) وقيل لـ مسروق: لو قصرت عن بعض ما تصنع من الاجتهاد؟ فقال: والله لو أتاني آتٍ فأخبرني ألا يعذبني لاجتهدت في العبادة.
قيل: كيف ذاك؟ قال: حتى تعذرني نفسي إن دخلت النار ألا ألومها، أما بلغك قول الله تعالى:{وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}[القيامة:٢] فما تعليقكم على هذا؟
الجواب
سلف هذه الأمة رحمة الله عليهم كان كثير منهم يجتهدون في العبادة، ويعتبرون أنفسهم مقصرين، فهم مع اشتغالهم بالعبادة لا يعتبرون أنفسهم قد قدموا شيئاً، بل يهضمون جانبهم ويعتبرون أنهم مقصرون، كما قال الله عز وجل:{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}[المؤمنون:٦٠] فمع عنايتهم بالعبادة ومع اشتغالهم بالعبادة يعتبرون أنفسهم مقصرة، وقد جاء في ترجمة منصور بن زاذان أنه قيل: لو قيل لـ منصور بن زاذان: إن ملك الموت بالباب ما أمكنه أن يزيد شيئاً من الأعمال.
لأنه كان دائماً على الصلة بالله عز وجل في عبادته له سبحانه وتعالى.
فإذاً: ما جاء من آثار عن السلف من جهة اهتمامهم بالعبادة وخوفهم من عدم القبول واعتبار أنفسهم مقصرين كان ذلك هو ديدنهم وشأنهم رحمة الله تعالى عليهم.