للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معاني السنة]

قوله: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) المراد بسنته طريقته صلى الله عليه وسلم, والسنة تطلق إطلاقات أربعة، وأوسعها وأشملها أن المراد بها ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء في الكتاب والسنة، فكل ذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم, ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني)؛ لأن ما جاء في الكتاب والسنة كله سنة الرسول صلى الله عليه وسلم, وكذلك هذا الحديث: (عليكم بسنتي) يعني الكتاب والسنة, فكل ما جاء به الكتاب والسنة هو سنته صلى الله عليه وسلم، فتكون السنة هنا شاملة لكل شيء جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء ما يتعلق بالاعتقاد أو يتعلق بالعبادات أو يتعلق بالمعاملات أو يتعلق بالأخلاق والآداب, فكل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم هو سنته, وهذا هو أوسع معاني السنة.

ومن المعاني التي يطلق عليها لفظ السنة الحديث, فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له: سنته، ومن أمثلة ذلك ما يأتي في كتب المحدثين الذين يشرحون الأحاديث، وكذلك في كتب الفقهاء عندما يأتون إلى مسألة معينة فيقدم الفقيه منهم ويمهد للكلام عليها فيقول: وقد دل عليها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقول الله تعالى كذا، وأما السنة فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.

فحيث عطفت السنة على الكتاب يراد بها خصوص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قيل: دل الكتاب والسنة فالسنة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الكتاب تقدم قبلها، فيراد بها خصوص الحديث، وهذا المعنى أقل من الأول؛ لأن المعنى الأول السنة فيه تشمل الكتاب والسنة.

وأيضاً من معانيها السنة في مقابل البدعة, وهي تتعلق بمسائل الاعتقاد، فما يتعلق بمسائل الاعتقاد فصاحبه إذا كان متبعاً لما دلت عليه النصوص يقال له: سني.

ومن كان على خلاف ذلك يقال له: بدعي.

ويقال: سنة وبدعة.

ومن إطلاق السنة مراداً بها هذا المعنى الكتب التي ألفت بهذا الاسم، مثل (السنة) لـ ابن أبي عاصم، و (السنة) للالكائي، و (السنة) للطبراني، و (السنة) لـ عبد الله بن الإمام أحمد، و (السنة) للإمام أحمد، وغيرها من الكتب التي باسم السنة، فإن المقصود بها ما يتعلق بالعقيدة، وما يعتقد طبقاً للسنة مخالفاً لما هو بدعة.

والمعنى الرابع من معاني السنة -وهو في اصطلاح الفقهاء-: المندوب أو المستحب, وهو المأمور به ليس على سبيل الإيجاب وإنما على سبيل الاستحباب، وهو الذي يعرفه الفقهاء والأصوليون بقولهم: ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، ويطلبه الشارع طلباً غير جازم، وإنما طلباً مستحباً مرغباً فيه؛ لأنه لا يأثم من تركه, لكن من ترك المندوب رغبة عنه يكون بذلك قد رغب عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون بذلك آثماً.

إذاً: قوله صلى الله عليه وسلم: (فعليكم بسنتي) المراد بسنته طريقته ومنهجه، وذلك باتباع الكتاب والسنة وما أجمعت عليه الأمة, فهذا هو الحق والهدى الذي أُمر باتباعه وسلوكه، ثم اتباع سنة الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم -كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم- راشدون، والراشد ضد الغاوي, وهم مهتدون، والمهتدي ضد الضال، فهم أهل الرشد وأهل الهداية رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر باتباع سنته وسنة خلفائه الراشدين، أي أن الناس يكونون على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه خلفاؤه الراشدون الهادون المهديون رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم خلافتهم بأنها خلافة نبوة، كما ثبت من حديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء).

فأخبر في هذا الحديث -حديث العرباض بن سارية - أنهم راشدون وأنهم مهديون، وأمر باتباع طريقتهم واتباع سنتهم، وأخبر في حديث سفينة بأن خلافتهم خلافة نبوة، وأنها على منهاج نبوة، وبعد ذلك يؤتي الله ملكه من يشاء.