للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اشتراط العلم في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر]

المسألة الثانية: يشترط في الآمر بالمعروف أن يكون له علم يعلم به أن ما يأمر به معروف، وأن ما ينهى عنه منكر؛ لأنه إن كان جاهلاً بذلك، فقد يأمر بما ليس بمعروف، وينهى عما ليس بمنكر، ولاسيما في هذا الزمن الذي عم فيه الجهل، وصار فيه الحق منكراً، والمنكر معروفاً، والله تعالى يقول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي} [يوسف:١٠٨].

فدل على أن الداعي إلى الله لابد أن يكون على بصيرة، وهي الدليل الواضح الذي لا لبس في الحق معه، وينبغي أن تكون دعوته إلى الله بالحكمة، وحسن الأسلوب واللطافة مع إيضاح الحق؛ لقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:١٢٥] فإن كانت دعوته إلى الله بقسوة وعنف وخرق، فإنها تضر أكثر مما تنفع، فلا ينبغي أن يسند الأمر بالمعروف إسناداً مطلقاً، إلا لمن جمع بين العلم والحكمة والصبر على أذى الناس؛ لأن الأمر بالمعروف وظيفة الرسل وأتباعهم، وهو مستلزم للأذى من الناس؛ لأنهم مجبولون بالطبع على معاداة من يتعرض لهم في أهوائهم الفاسدة، وأغراضهم الباطلة، ولذا قال العبد الصالح لقمان الحكيم لولده فيما قص الله عنه: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:١٧] ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ ورقة بن نوفل: أوَ مُخرجيّ هُم؟! -يعني: قريش- أخبره ورقة أن هذا الدين الذي جاء به لم يأت به أحد إلا عودي.

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ما ترك الحق لـ عمر صديقاً.

واعلم أنه لا يحكم على الأمر بأنه منكر إلا إذا قام على ذلك دليل من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو إجماع المسلمين، وأما إن كان من مسائل الاجتهاد فيما لا نص فيه، فلا يحكم على أحد المجتهدين المختلفين بأنه مرتكب منكراً، فالمصيب منهم مأجور بإصابته، والمخطئ منهم معذور كما هو معروف في محله.

واعلم أن الدعوة إلى الله بطريقين: طريق لين، وطريق قسوة.

أما طريق اللين فهي: الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإيضاح الأدلة في أحسن أسلوب وألطفه، فإن نجحت هذه الطريق فبها ونعمت، وهو المطلوب، وإن لم تنجح تعينت طريق القسوة بالسيف حتى يعبد الله وحده، وتقام حدوده، وتمتثل أوامره، وتجتنب نواهيه، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد:٢٥].

ففيه الإشارة إلى إعمال السيف بعد إقامة الحجة، فإن لم تنفع الكتب تعينت الكتائب، والله تعالى قد يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.