[فوائد حديث: (من أحدث في أمرنا هذا)]
هناك بعض الفوائد كتبتها حول هذا الحديث، وهي كما يلي: الحديث الخامس عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لـ مسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
١ - هذا الحديث أصل في وزن الأعمال الظاهرة، وأنه لا يعتد بها إلا إذا كانت موافقة للشرع، كما أن حديث (إنما الأعمال بالنيات) أصل في الأعمال الباطنة، وأن كل عمل يتقرب فيه إلى الله لا بد أن يكون خالصاً لله، وأن يكون معتبراً بنيته.
٢ - إذا فعلت العبادات كالوضوء، والغسل من الجنابة، والصلاة، وغير ذلك على خلاف الشرع فإنها تكون مردودة على صاحبها غير معتبرة، وأن المأخوذ بالعقد الفاسد يجب رده على صاحبه ولا يملك، ويدل لذلك قصة العسيف الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه: (الوليدة والغنم رد عليك).
٣ - ويدل الحديث على أن من ابتدع بدعة ليس لها أصل في الشرع فهي مردودة، وصاحبها مستحق للوعيد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة: (من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة أجمعين).
ولا يقال عمله مردود فقط، بل هو مع ذلك آثم؛ لأنه أحدث في دين الله ما ليس منه.
٤ - الرواية الثانية التي عند مسلم أعم من الرواية التي في الصحيحين، لأنها تشمل من عمل البدعة سواء كان هو المحدث لها أو كان مسبوقاً إلى إحداثها وتابعاً لمن أحدثها.
٥ - معنى قوله في الحديث (رد) أي: مردود عليه، وهو من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول مثل: خلق بمعنى مخلوق، ونسخ بمعنى منسوخ، والمعنى: أنه مردود باطل غير معتد به.
٦ - لا يدخل تحت الحديث ما كان من المصالح في حفظ الدين، أو موصلاً إلى فهمه ومعرفته، كجمع القرآن في المصاحف، وتدوين علوم اللغة والنحو، وغير ذلك.
فمثلاً: جمع القرآن في مصحف واحد عمله عثمان، بعد زمنه صلى الله عليه وسلم ولم يكن منه صلى الله عليه وسلم، ولكنه من الأمور التي لا بد منها؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩] وهذا من حفظ القرآن، فلا يقال إنه من البدع غير الجائزة، حيث لم يكن موجوداً في زمنه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه احتيج إليه حتى لا يضيع القرآن، وحتى لا يذهب بذهاب حملته؛ ولهذا اعتبر جمع عثمان هذا من مناقبه وفضائله رضي الله عنه، لأنه حفظ على هذه الأمة القرآن الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بجمعه في هذا المصحف، وفي ذلك تنفيذ وتطبيق وتحقيق لقوله الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩] وبعض الناس يأتي بالبدعة ثم يستدل عليها بجمع القرآن!
و
الجواب
أن هذا إضافة في الدين مما ليس منه، فهو بدعة، وأما جمع القرآن فهو تنفيذ لما جاء في القرآن من حفظ الكتاب.
وكذلك تدوين العلوم التي فيها إعانة وتسهيل للوصول إلى معرفة الكتاب والسنة مثل علم اللغة وعلم النحو لا يقال: هذه من محدثات الأمور، بل هذه من الأمور التي توصل إلى غايات، وفيها تسهيل الوصول إلى معرفة كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن الكتاب والسنة جاءا بلغة العرب، ففي جمع اللغة وتدوينها تسهيل لمعرفتها، وكذلك علم النحو يدون حتى يعرف نظم الكلام ومعناه، فالمرفوع يرفع، والمكسور يكسر، والمفتوح يفتح، وهذا لا يعرف إلا عن طريق علم النحو.
قبل تدوين علم النحو كان الناس على السليقة يتكلمون على ما جبلوا عليه، لكن بعد ذلك حصل تغير الألسنة، وصار الناس بحاجة إلى أن يدون علم النحو، فلا يقال إن هذا من البدع التي لا تجوز، أو لا يقال إن البدع التي تحدث في الدين هي من جنس إحداث علم النحو وإحداث علم اللغة وما إلى ذلك، فإن هذا شيء وهذا شيء، فلا يقاس هذا على هذا، ولا يمنع هذا من أجل هذا.
٧ - الحديث يدل بإطلاقه على رد كل عمل مخالف للشرع ولو كان قصد صاحبه حسناً، ويدل له قصة الصحابي الذي ذبح أضحيته قبل صلاة العيد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (شاتك شاة لحم).
وكذلك أثر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي أشرت إليه، فإنه واضح أن المعتبر هو ما كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن العمل إذا وقع على خلاف الشرع فإنه لا يسوغ.
٨ - هذا الحديث يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود، ويدل بمفهومه على أن كل عمل عليه أمره فهو غير مردود، والمعنى: أن من كان عمله جارياً تحت أحكام الشرع موافقاً لها فهو مقبول، ومن كان خارجاً عن ذلك فهو مردود.