للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى التردد في حديث: (وما ترددتُ في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن)

السؤال

ما معنى التردد في الحديث القدسي: (وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن)؟

الجواب

قد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (وما تردّدتُ في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته) ما معنى: (تردد الله)؟ فأجاب بقوله: المتردد منا وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه لا يعلم عاقبة الأمور، لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا، فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة، لا لجهله به، كالشيء الواحد الذي يُحَبُّ من وجه، ويُكرَه من وجه كما قيل: الشيب كُرْهٌ وكُرْهٌ أن أفارقه فاعجب لشيء على البغضاء محبوبُ وهذا مثل إرادة المريض للدواء الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب، وفي الصحيح: (حُفّت الجنة بالمكاره، وحُفّت النار بالشهوات).

وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة:٢١٦]، ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في الحديث، فإنه قال: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)، فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوباً للحق محباً له، يتقرب إليه أولاً بالفرائض وهو يحبها، ثم يجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق، فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين، بقصد اتفاق الإرادة، وبحيث يحب ما يحب محبوبه ويكره ما يكره محبوبه.

والرب يكره أن يُساء عبده ومحبوبه، والله تعالى قد قضى بالموت، فكل ما قضى به فهو يريده ولا بد منه، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كاره للمساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مراداً للحق من وجه، مكروهاً من وجه آخر، وهذا حقيقة التردد، وهو أن يكون الشيء الواحد مراداً من وجه مكروهاً من وجه آخر.

وإن كان لا بد من ترجيح أحد الجانبين كما ترجح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة الرب المساءة لعبده، وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره إساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ولا يريده.

فالفرق بينهما أن المؤمن عندما يموت ينتقل إلى نعيم، والكافر ينتقل إلى جحيم، كما جاء في صحيح مسلم وهو أول حديث عنده في كتاب الزهد يقول: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر).

فهذا هو معنى كلام شيخ الإسلام الأخير هذا، لكن كون الله عز وجل يقال: من صفاته التردد، فلا أدري عن هذا.