إن النصيحة لكتاب الله عز وجل تقوم بتعظيمه وتوقيره واحترامه وتلاوته، وتأمل ما فيه، وتأمل معانيه والاعتبار بما فيه من العبر والعظات، وامتثال أوامره، واجتناب النواهي التي جاءت فيه، وتصديق ما فيه من أخبار، واعتقاد بأنه كلام الله، وأنه منزل منه سبحانه وتعالى، وأنه غير مخلوق، وأن فيه الخير والسعادة لمن أخذ به، وأن من تمسك به ظفر بسعادة الدنيا والآخرة، ومن أعرض عنه خسر الدنيا والآخرة، فكل ذلك متعلق به، وكذلك اعتقاد بأنه معجز وفي غاية الفصاحة والبلاغة، وأن فصحاء العرب الذين هم مشهورون بالفصاحة والبلاغة لم يستطيعوا ولن يستطيعوا أن يأتوا بشيء مثله، وهذا يدل على أنه من عند الله عز وجل جاء به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، وجاء بهذا الكلام المعجز من عند الله عز وجل، وبقيت هذه المعجزة مستمرة والتحدي قائماً.
ولا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، كما قال الله عز وجل:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء:٨٨]، وقد تحدى أهل البلاغة أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم حصل التنزل في التحدي إلى عشر سور فعجزوا، ثم حصل التحدي في التنزل إلى سورة فعجزوا، وأقصر سورة في القرآن هي:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:١] و {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}[الكوثر:١] و {وَالْعَصْرِ}[العصر:١]، ولا يستطيع أحد أن يأتي بمثل هذا الكلام بهذا المقدار الذي هو أقصر سورة التي تأتي في سطر أو سطر ونصف.
وهذه المعجزة ليست كمعجزة الأنبياء السابقين التي هي وقتية والتي لا يشاهدها إلا من كان في زمانهم، مثل: العصا التي قلبت حية تسعى، ما رآها إلا الذين كانوا في زمن موسى وبعد ذلك لا يعرفون عنها إلا أخبارها، وكذلك عيسى وكونه يحصل منه إبراء الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله، هذا شاهده من شاهده في زمانه، وأما معجزة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام التي هي القرآن فهي قائمة ومستمرة، وكان ما اشتمل عليه من فصاحة وبلاغة هو مناط إعجاب أهل الفصاحة والبلاغة، مع شدة عداوتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا جبير بن مطعم النوفلي رضي الله عنه قبل أن يسلم، كان سبب إسلامه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في حال كفره يقرأ بسورة الطور وهو يصلي بالناس، فلما جاء عند قول الله عز وجل {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ}[الطور:٣٥ - ٣٦]، قال: كاد قلبي أن يطير.
يعني: من حسن هذا الكلام وإعجازه، ثم أسلم ودخل في الإسلام رضي الله تعالى عنه وأرضاه.