قوله عليه الصلاة والسلام:(فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاًَ كثيراً) هذا من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، فإنه أخبر عن أمر مستقبل لم يقع، وكل أمر أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من الأمور المستقبلة لابد أن يقع؛ لأنه لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:٤] , فأخباره صادقة، سواء كانت ماضية أم مستقبلة أم موجودة غير مشاهدة ولا معاينة، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنه من يعش من أصحابه فإنه سيدرك التفرق والاختلاف الكثير, فالاختلاف ليس قليلاً، بل هو كثير، ولذلك قال:(فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً) فليس هو مجرد اختلاف ومجرد فرقة، بل الاختلاف كثير، فكم من تفرق واختلاف وتشعب وافتراق! وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة, كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة, وهم الذين كانوا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
قال:(فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً) وقد وقع ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام, فإن من عاش من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أدرك تلك الفتن وذلك الاختلاف والخروج عن الصراط المستقيم والانحراف عن الجادة، فحصل خروج الخوارج وظهور القدرية وظهور الروافض, وكل ذلك حصل في زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وقد ورد أن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري قدما من العراق حاجين ومعتمرين، وكان قد ظهر في البصرة معبد الجهني وغيره من القائلين بالقدر وأن الأمر أنف، فلقيا عبد الله بن عمر فأخبراه بما حصل فقال: إذا لقيتم هؤلاء فأخبروهم أنني بريء منهم وأنهم برآء مني.
ثم قال: والذي يحلف به عبد الله بن عمر لا يؤمن أحدهم حتى يؤمن بالقدر خيره وشره.
ثم ساق حديث جبريل الذي اشتمل على قوله:(وأن تؤمن بالقدر خيره وشره).
فهذا الاختلاف وجد في عصر الصحابة، وهذا مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن ومن الانحراف في بعض أمته عن الصراط المستقيم وخروجهم عن الجادة.