[حال حديث:(إذا غضب أحدكم فليتوضأ)، والرد على الشيخ الألباني في حجاب المرأة]
السؤال
هل ورد حديث معناه: أنه إذا غضب الشخص فيتوضأ ويصلي ركعتين؟
الجواب
ورد حديث فيه ضعف، يقول الإمام ابن رجب رحمه الله: خرج الإمام أحمد وأبو داود من حديث عروة بن محمد السعدي أنه كلمه رجل فأغضبه، فقام فتوضأ، ثم قال: حدثني أبي عن جدي عطية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ).
قال المحشي شعيب بن ألبان رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تعليقه والبغوي في شرح السنة، وسنده حسن، وأخطأ من ضعفه ممن ينتحل صناعة الحديث بزماننا، -يقصد الألباني، فإنه ضعفه في السلسلة الضعيفة- ونحن نقول: لا نعلم أحداً في هذا الزمان أعلم من الألباني في الحديث، ولا أكثر اشتغالاً وعناية بالحديث، وما أفاد المسلمين أحد في هذا الزمان في علم الحديث مثلما أفادهم الشيخ الألباني رحمه الله، فإذا كان هو المقصود فقد أساء إلى هذا المتكلم نفسه.
ونحن نقول هذا الكلام وإن كنا نخالفه في أمور لا تعجبنا منه، ونرى أنه غير مصيب فيها، لا سيما مثل قوله بعدم وجوب ستر المرأة وجهها، فإن هذا ننكره إنكاراً شديداً، ولكن مع ذلك نقول: إن الشيخ الألباني لا نستغني نحن ولا غيرنا من طلبة العلم عن علمه، وما يحصل منه من أمور يؤاخذ عليها فهي مغمورة في صوابه الكثير وعلمه الغزير، ونفعه العميم، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذه المسألة -مسألة الحجاب- من المسائل التي ما كنت أود أن الشيخ الألباني رحمه الله حرص على العناية والاهتمام بها وكثرة التأليف فيها، ومتابعة من يتكلم فيها، حتى تعددت المؤلفات فيها، ولذلك أقول: لو كان ما يقوله الألباني هو الصواب، فإن هذا من الحق الذي ينبغي إخفاؤه ولا يحرص على إظهاره؛ لأنه لا يترتب على إظهاره إلا المضرة، وذلك أن كلامه في تقرير أن ستر الوجه ليس بواجب جرأ كثيراً من النساء إلى التساهل بالحجاب، ولا شك أن مثل هذا عدم إظهاره وعدم تقريره أولى؛ لما يترتب عليه من فوات مصلحة؛ بل يترتب عليه مضرة؛ لأنه جرأ بعض النساء اللاتي يردن التفلت، ويردن الخروج عن الشيء الذي يجب على النساء أن تكون عليه؛ لأنها تجد من يفتيها ومن تعتمد عليه في انطلاقها من الشيء الذي فيه حشمتها وسلامتها، وفيه البعد عن الشرور بسبب مثل هذه الفتوى.
ومن المعلوم أنه إذا كانت الشريعة الإسلامية تأمر المرأة بأن ترخي ثوبها حتى تغطي رجليها، فكيف تأمر هذه الشريعة بتغطية الرجل ثم تبيح كشف الوجه؟! والوجه هو الذي يكون فيه الجمال، والرجل ليس فيها جمال مثل ما في الوجه، والذي يبحث عن الجمال لا يبحث عنه في الرجلين، إنما يبحث عنه في الوجه، فمادام أن الشريعة أمرت بتغطية الرجلين وسترهما فلا شك أن تغطية الوجه هو أولى؛ لأن فيه الحسن والجمال، وفيه تكون الفتنة، والجمال والدمامة ترى في الوجوه لا في الأرجل.
لذلك أقول: هذه المسألة في الحقيقة ما كنت أود أن الشيخ رحمه الله أشغل نفسه بها وأتعب نفسه بها، وأراح الناس مما يترتب عليها من مضرة، ولو كان الأمر كما يقول وأنه ليس بواجب، فإن عدم الاهتمام به وعدم إظهاره لا يفوت بتركه شيء، والرسول صلى الله عليه وسلم لما قال له معاذ:(يا رسول الله! أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا)، فهذا أمر حق ولكنه أمر بكتمه حتى لا يترتب عليه مضرة، ومعاذ أخبر به عند موته تحرجاً، وكذلك أيضاً الحديث الذي فيه أن الصحابة فقدوا الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم وخشوا عليه، فكان أن سبق أبو هريرة إليه -وكان في حائط- وأخبره بأن الناس فزعون، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم نعليه وقال له:(اذهب ومن وجدته يشهد أن لا إله إلا الله فبشره بالجنة، فلقيه عمر رضي الله عنه فأخبره بالخبر فضربه عمر على صدره وانتهره، فرجع إلى رسول الله وأخبره فقال عليه الصلاة والسلام: لماذا فعلت يا عمر ذلك؟ قال: يا رسول الله! دعهم يعملون، قال عليه الصلاة والسلام: دعهم يعملون)، إذاً: حتى لو كان هذا من الأمور التي هي ليست واجبة، فإن عدم إعلام الناس بأنها غير واجبة أصلح لهم في دينهم ودنياهم.
فالحاصل: أن هذه الكلمة إذا كان يعني بها الشيخ ناصر فإن المتكلم بها قد ضر نفسه؛ لأنه تكلم في رجل ما نعلم أحداً خدم السنة في هذا الزمان مثل هذا الرجل رحمه الله.