[بيان معنى المدعي والمدعى عليه والأثر المترتب على ذلك]
والمدعي هو الذي إذا سكت ترك، والمدعى عليه هو الذي إذا سكت لم يترك، بمعنى أن المدعي صاحب الحق لو أنه لم يطالب فإنه لا يقال له: لا بد من أن تطالب، بل له أن يطالب وله أن لا يطالب، فإذا سكت ترك.
لكن المدعى عليه إذا سكت لا يترك، بل المدعي يلاحقه ويطالبه، فسكوته -أي: المدعى عليه- لا يحصل تركه به، وإنما الذي إذا سكت ترك هو المدعي، فليس لأحد أن يلزمه ويقول: لا بد من أن تخاصم، ولا بد من أن تدعي على فلان بكذا وكذا.
فهو إن طالب أقام الدعوى وطلب منه الشهود، وإن لم يطالب فإنه يترك، لكن المدعى عليه لا يترك لو سكت؛ لأنه مدعى عليه، فيطلب منه الحق إن أقر، وإن لم يقر وحصل الشهود فإنه يلزم بدفع الحق، وإن لم يكن هناك شهود فإنه يطلب منه اليمين.
وهذا الحديث حديث عظيم، وهو أصل في باب القضاء، وهو مرجع للحكام وطريق للحكم، وذلك أن القاضي يطالب المدعي بالبينة، وإذا لم يستطع إقامة البينة فإنَّه يطلب من المدعى عليه أن يحلف، فإن حلف برئت ساحته من الدعوى أمام القضاء، وإن لم يحلف قضي عليه بالنكول، وإذا نكل عن اليمين قضي عليه وألزم.
فالدعوى إذا أقيمت على المدعى عليه إن اعترف فحينئذٍ لا يحتاج إلى شهود أو يمين؛ لأن المدعى عليه اعترف وأقر، فإذا حصل منه الإقرار فإن الحق ثابت عليه بإقراره، وإن أنكر ولم يقر طلب من المدعي البينة، والبينة هي أي شيء يبين الحق ويوضحه ويدل عليه من شهود أو قرائن أو غير ذلك.
فإن أتى المدعي بالبينة حكم على المدعى عليه وألزم بدفع المدعى بناء على البينة التي أقامها المدعي، وإن لم يكن هناك بينة ولم يحصل الإقرار من المدعى عليه فعند ذلك يطلب من المدعى عليه اليمين، فإن حلف برئت ساحته أمام القضاء من الدعوى، فلا يطالب بعدها بشيء.
وإن لم يحلف ونكل عن اليمين حكم عليه وألزم بدفع المدعى عليه؛ لأنه ما دافع عن نفسه باليمين، بل امتنع من اليمين، فتعين عليه المدعى، وعليه أن يقوم بدفعه.