[علامات الساعة]
فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يجيب في بعض الأوقات ببعض الأمارات كما أجاب في حديث جبريل فقال: (أن تلد الأمة ربتها)، وفُسِّر ذلك بأنه يكون عند كثرة الفتوح، وأن الأسياد يطئون الإماء، فإذا ولدت الأمة فإنها تكون أم ولد، وأحكام أمهات الأولاد معروفة، والقول الصحيح أنها لا تباع، وأنها تعتق بموت سيدها، ولهذا فإنهم كانوا يكرهون أن تلد الإماء؛ لأن الأمة إذا ولدت لم يتمكن سيدها من بيعها، فتضيع عليه ماليتها، ولذا فإنهم كانوا يعزلون عنهن عند الجماع.
فمعنى (أن تلد الأمة ربتها)، هو أن تلد لسيدها ولداً يكون الولد بمنزلة أبيه، فكأنه بمنزلة سيدها.
وهذه الأمارة والعلامة ليست مذمومة، فليست كل أمارات الساعة فيها ذم، فمنها ما هو مذموم، ومنها ما ليس مذموماً، فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من الحجاز) ليس فيه ذم، وهو أمر سيقع، ولا يعتبر من قبيل الأشياء المذمومة.
ومن هذا الوجه -أيضاً- ما جاء من أن المسلمين يجاهدون الكفار، فتكثر الفتوحات ويكثر السبي، فهذا شيء جيد، ولا يعتبر مذموماً، وإنما الذم فيما يحصل من كون الولد يعامل أمه معاملة لا تليق، لذلك قال بعض أهل العلم: إن المقصود من الحديث السابق هو العقوق.
وهذا الذي رجحه الحافظ ابن حجر في (فتح الباري)، فذهب إلى أن المراد أنه يكثر العقوق، فيكون الولد بمنزلة السيد، فلا يعامل أمه معاملة لطيفة، بل يكون بمنزلة الآمر الناهي، فتنعكس الأمور والأحوال، فيصير من هو أهل للاحترام والتوقير يسعى إلى أن يوقر من كان يجب عليه أن يوقره هو، فيكون على هذا التفسير مذموماً.
فالحاصل أن هذه العلامة على التفسير السابق ليست مما يُذم، وقيل: إن المقصود من ذلك أن يكثر السبي، فيترتب عليه أن الولد يملك ثم يعتق، ثم بعد ذلك يشتري أمّه وهو لا يدري أنها أمّه، فيسيء إليها، ويكون سيداً لها، فيكون مذموماً على هذا التفسير.
وقيل في معناه: إن الأمة تلد ابن سيدها، ثم يصير ذلك المولود ملكاً، فيكون رئيساً عليها وعلى غيرها ممن هو تحت ولايته.
وقوله: (وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاه يتطاولون في البنيان)، أي أن الذين كانوا فقراء وعراة الأجسام وحفاة الأرجل، وكانوا لا يجدون من النعال واللباس ما يكفيهم تتغير بهم الأحوال، وتكثر الأموال، فينتقلون من الحالة التي كانوا عليها إلى أن يتطاولوا في البنيان ويتباهوا به، فكل واحد يريد أن يكون أطول من غيره، وهذا فيه ذم، فقد كان مقصودهم المباهاة والتطاول، وهاتان الخصلتان مذمومتان، والرسول صلى الله عليه وسلم أجابه بهاتين الأمارتين والعلامتين من علامات الساعة.
ثم قال عمر: (فلبث ملياً) وفي بعض الروايات (فلبثت ملياً، ثم قال: يا عمر! أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)، وجاء في بعض الروايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ردوا السائل.
فذهبوا فلم يجدوه، فقال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).
وجاء في قصة عمر أنه كان بعد ثلاث، أي: بعد ثلاثة أيام، ويجمع بين هذا وبين ما جاء من أنه أخبره في الحال أن عمر لم يكن في ذلك المجلس بعد انصرافه وانتهائه، وإنما خرج ولقي النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث عن الرجل الذي جاء وسأل هذه الأسئلة.