[حكم القول بأن إيجاد الخلق على الوجه الموجود خير من غيره]
السؤال
هنا كلام لـ ابن رجب عند جملة:(يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً)، حيث قال: ومن الناس من قال: إن إيجاده لخلقه على هذا الوجه الموجود هو خير من وجوده على غيره، وما فيه من الشر فهو شر إضافي نسبي بالنسبة إلى بعض الأشياء دون بعض، وليس شراً مطلقاً بحيث يكون عدمه خير من وجوده من كل وجه، بل وجوده خير من عدمه، قال: وهذا معنى قوله تعالى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ}[آل عمران:٢٦] ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والشر ليس إليك) يعني: الشر المحض الذي عدمه خير من وجوده ليس موجوداً في ملكه، فإن الله تعالى أوجد خلقه على ما تقتضيه حكمته وعدله، وخص قوماً من خلقه بالفضل وترك آخرين منهم بالعدل؛ لما له في ذلك من الحكمة البالغة.
قال ابن رجب: وهذا فيه نظر، وهو يخالف ما في هذا الحديث من أن جميع الخلق لو كانوا على صفة أكمل خلقه من البر والتقوى لم يزد ذلك في ملكه شيئاً، ولا قدر جناح بعوضة، ولو كانوا على صفة أنقص خلقه من الفجور لم ينقص ذلك من ملكه شيئاً، فدل على أن ملكه كامل على أي وجه كان، لا يزداد ولا يكمل بالطاعات، ولا ينقص بالمعاصي ولا يؤثر فيه شيئاً.
فهل الصواب مع القائل أم مع ابن رجب؟
الجواب
النظر في الكلام الأول الذي فيه أنه ليس هناك شيء خير مما كان ونحو ذلك.
وأما قوله:(والشر ليس إليك) فيعني: أن الله عز وجل لم يخلق شراً محضاً لا يترتب عليه خير بوجه من الوجوه، بل إنه ما من شر يخلو من مصلحة أو فائدة، أما أن يكون شراً محضاً لا خير فيه بوجه من الوجوه فهذا الذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل بقوله:(والشر ليس إليك)، والله عز وجل خالق كل شي، خالق الخير وخالق الشر، فالشر من خلقه، والخير من خلقه، ولكن الشر الذي نفي عنه هو الشر الذي لا خير فيه بوجه من الوجوه، ولا يترتب عليه مصلحة، فهذا معناه صحيح ليس فيه إشكال، ولكن لعل الحافظ ابن رجب يقصد الكلام الذي جاء في صدر السؤال، وهو قوله: إن إيجاده لخلقه على هذا الوجه الموجود أكمل من إيجاده على غيره.
فهذا فيه نظر لا شك.
والله عز وجل قال:{فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأنعام:١٤٩] فلو شاء لجعل الناس كلهم مهتدين، ولكنه تعالى شاء أن يبتلى العباد وأن يمتحنوا وأن يؤمروا وأن ينهوا وأن يتبين أولياء الله من أعداء الله، فلعل المقصود بذلك هو الأول.
ولعله يوضحه قوله: وما فيه من الشر فهو شر إضافي نسبي بالنسبة إلى بعض الأشياء دون بعض، وليس شراً مطلقاً بحيث يكون عدمه خيراً من وجوده من كل وجه.