[كلام العلماء في قوله: (وإن تأمر عليكم عبد)]
قال: (وإن تأمر عليكم عبد).
أجمع العلماء على أن العبد لا تصح ولايته ولا تثبت له، وليس هو من أهل الولاية, وأجمعوا على أن الخلافة لا تنعقد للعبد، وأن من شرط الخليفة أن يكون حراًَ لا أن يكون عبداً؛ لأن العبد منافعه مملوكة لسيده, فلا يصلح للولاية والخلافة، وجاء في الحديث هنا: (وإن تأمر عليكم عبد) فكيف يجاب عما جاء في هذا الحديث مع أن العبد منافعه مملوكة منافعه لسيده وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز أن يكون خليفة؟ أجاب العلماء عن هذا الحديث وما في معناه بأجوبة: منها: أن هذا مما يؤتى به على سبيل الفرض والتقدير، وإن كان لا يقع ولا يحصل، وإنما هو للمبالغة في السمع والطاعة، يعني حتى ولو تأمر عليكم عبد فعليكم بالسمع والطاعة، فيكون المقصود من ذكره هنا المبالغة, وأنه لو حصل فإنه يجب أن يسمع له ويطاع, وإن كان ذلك لا يحصل ولا يقع من ناحية الاختيار، وأنه لا يختار الخليفة من العبيد، وإنما يكون من الأحرار.
الجواب الثاني: أنه يكون مؤمراً من الخليفة على قرية أو على جماعة، فالخليفة إذا عين عبداً ليكون أميراً على قرية أو أميراً على جماعة مسافرين أو ذهبوا في مهمة في سرية أو في غيرها فعليهم أن يسمعوا له ويطيعوا، وعلى هذا فيكون المراد ليس في الولاية العامة، وإنما هو في ولاية خاصة من قبل الأمير أو الخليفة.
الجواب الثالث: أنه عندما صار خليفة كان حراً، ولكن سبق له رق, ولكنه عتق فصارت منافعه ملكاً له، فهو عند توليته حر ولكنه كان عبداً فيما مضى، فيكون قوله: (وإن تأمر عليكم عبد) باعتبار ما مضى لا باعتبار الحال, ويكون هذا نظير قوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} [النساء:٢] فإن إعطاءهم الأموال يكون بعد البلوغ، ولكنهم قيل لهم: يتامى باعتبار ما كان لا باعتبار الحال؛ لأنه في حال يتمهم وقبل بلوغهم لا يدفع لهم المال, ولكنه يدفع لهم بعد البلوغ والرشد، ولهذا قال عز وجل: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء:٦] يعني: ذهب الصغر وحصل البلوغ وجاء التكليف {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:٦] فدل على أن أموالهم لا تعطى إليهم في حال يتمهم، وإنما تعطى لهم بعد البلوغ.
إذاً: فقول الله عز وجل: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} ليس المراد به حال يتمهم وإنما باعتبار ما كان، ففي الوقت الذي أعطوا فيه أموالهم كانوا بالغين، ولكن قيل لهم: يتامى باعتبار ما كان.
الجواب الرابع: أنه إذا صار له شوكة وقوة وتغلب على الناس وقهر الناس بقوته وشوكته حتى استقرت له الأمور واستتب له الأمن فعند ذلك يسمع له ويطاع ولو كان عبداً، فلم يحصل اختياره، ولكنه بالتغلب والقهر والغلبة استقرت له الأمور، فإنه حينئذٍ يسمع له ويطاع.
فيكون ما جاء في هذا الحديث وما في معناه من السمع والطاعة للأمير ولو كان عبداًَ محمولاً على هذه الأمور التي ذكرها العلماء، فيسمع له ويطاع وإن كان عبداً بهذه الاعتبارات التي ذكرها العلماء، وإلا فإنه ليس أهلاً للخلافة وليس أهلاًَ للولاية؛ لأن من شرط الخليفة أن تكون منافعه بيده وليست بيد غيره وليست ملكاً لغيره.