لقد سأل جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسئلة التي يريد من ورائها تعليم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأمور التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها الدين، فقال في آخر الحديث:(هذا جبريك أتاكم يعلمكم دينكم).
وكان السؤال الثالث الذي سأله عنه قوله:(أخبرني عن الإحسان؟) فقال صلى الله عليه وسلم: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فقوله:(أن تعبد الله كأنك تراه)، أي: أن تكون مقبلاً عليه بقلبك وقالبك، وأن تكون مستحضراً عظمة الله وكأنك واقف بين يديه سبحانه.
ومعلوم أن الإنسان إذا كان بهذه المنزلة والدرجة، ويدخل في العبادة بهذا الوصف وبهذه الهيئة التي يستشعر فيها أنه واقف بين يدي الله فلاشك في أنه سيحسن فيما يقوم في قلبه، وفيما يجري على لسانه، وفيما يقوم بجوارحه، بحيث تسير هذه الأمور والأحوال كلها على السداد وعلى الاستقامة؛ لأنه يعبد الله عز وجل وكأنه بين يديه سبحانه وتعالى، وينظر إلى الله عز وجل وكأنه بين يديه، فهو مستحضر لعظمته وجلاله.
وقوله:(فإن لم تكن تراه فإنه يراك) أي: فإذا كان الإنسان لا يعبد الله بهذه الطريقة والهيئة التي تجعله وكأنه واقف بين يدي الله، فيحسن عمله ويتقنه ويؤديه على التمام والكمال لأنه واقف بين يدي الله فإن عليه أن يستشعر بأن الله تعالى يراه، وأن الله مطلع عليه، وأنه لا يخفى عليه خافية، وأنه سيثيبه إن أحسن، ويعاقبه إن أساء، فذلك يكون دافعاً له إلى الخوف والرهبة من الله، وعلى البعد من الوقوع في معاصي الله تعالى.
فالحالة الأولى هي الحالة التي يؤدي فيها الإنسان الأعمال على التمام والكمال وكأنه واقف بين يدي الله، فإن لم تكن فيه هذه الهيئة والصفة فإن عليه أن يستشعر أن الله مطلع عليه، وأنه لا يخفى عليه خافية، وأنه يحاسبه ويجازيه على ما يحصل منه، فتكون هاتان الجملتان الأولى منهما في مقام الترغيب، والثانية في مقام الترهيب.