والحياء منه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم، والمحمود هو الذي يحجز عن المعاصي، والمذموم هو الذي فيه خور وضعف وجبن، قال ابن رجب رحمه الله: «وقد روي من مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحياء حياءان: طرف من الإيمان، والآخر عجز)، ولعله من كلام الحسن.
كذلك قال بشير بن كعب العدوي لـ عمران بن حصين: إنا نجد في بعض الكتب أن منه سكينة ووقاراً لله، ومنه ضعفاً، فغضب عمران وقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعارض فيه؟».
وقصده الممدوح؛ لأن الذي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به هو الممدوح.
قال:«والأمر كما قاله عمران رضي الله عنه، فإن الحياء الممدوح في كلام النبي صلى الله عليه وسلم إنما يريد به الخلق الذي يحث على فعل الجميل وترك القبيح، فأما الضعف والعجز الذي يوجب التقصير في شيء من حقوق الله أو حقوق عباده فليس هو من الحياء، إنما هو ضعف وخور وعجز ومهانة، والله أعلم».
قال رحمه الله:«وحكى أبو عبيد في معنى الحديث قولاً آخر حكاه عن جرير، قال: معناه أن يريد الرجل أن يعمل الخير فيدعه حياء من الناس، كأنه يخاف الرياء».
وهذا من عمل الشيطان؛ لأن الشيطان جلس للإنسان من الجهة التي يرى أنه متجه إليها، فإذا رأى فيه رغبه في المعاصي وعزوفاً عن الطاعات أعانه على ترك الطاعات وفي الانهماك في المعاصي والوقوع فيها، وإذا رأى أنه مقبل على العبادة ومبتعد عن المعاصي جاءه من هذه الجهة، وقال له: يمكن أن يقال إن هذا رياء، يمكن أنك تفعلها من أجل الناس، فيترك الإنسان ذلك، فالشيطان يأتي للإنسان من الجهة التي يرى أنه متجه إليها، فإن رآه مقصراً وراغباً في المعاصي مائلاً إليها أعانه على ترك الخير والوقوع في الأمر المحرم، وسول له وسوَّف، وقال: إن هذا هو الذي ينبغي لك أن تفعله، وإذا رآه بعيداً عن المعاصي مقبلاً على العبادة جاء من أجل إفساد العبادة، وقال: إن هذا فيه رياء، ولا تفعل حتى لا يقال كذا وكذا.
وهذا المعنى لهذا الحديث مستبعد.
يقول: «فلا يمنعك الحياء من المضي لما أردت، كما جاء في الحديث:(إذا جاءك الشيطان وأنت تصلي فقال: إنك ترائي، فزدها طولاً)، ثم قال أبو عبيد: وهذا الحديث ليس يجيء سياقه ولا لفظه على هذا التفسير، ولا على هذا يحملها الناس، قلت: لو كان على ما قاله جرير لكان لفظ الحديث: إذا استحييت مما لا يستحيا منه فافعل ما شئت، ولا يخفى بعد هذا من لفظ الحديث ومعناه، والله أعلم».