وقوله صلّى الله عليه وسلم فى رواية (بينما أنا نائم).
وممن احتجوا به قول عائشة رضى الله عنها: ما فقد جسد رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وذهب معظم السلف والمسلمين إلى انه إسراء بالجسد مع الروح وفى اليقظة المقابلة للنوم - وهو الحق - وهو قول ابن عباس وجابر وأنس وحذيفة وعمر وأبى هريرة ومالك بن صعصعة وابن مسعود والضحاك وقتادة والحسن بن أبى الحسن. البصرى وأحمد بن حنبل، وجماعة عظيمة من المسلمين وهذاقول أكثرالمتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين والمفسرين.
وعلى هذا دل الكتاب والسنة والعقل فإن الله - سبحانه وتعالى - إذا أراد شيئاً قال له: كن فيكون.
فلا يعدل عن الظاهر والمعنى الحقيقى إلى التأويل والمعنى المجازى إلا بدليل، أو قرينة، بأن يكون ظاهره مستحيلاً عقلاً وشرعاً.
وليس بمستحيل عقلاً أن يكون الاسراء والمعراج بروحه وجسده، ألا ترى نقل عرش بلقيس من مسافة بعيدة فى طرفة عين! وعجباً لأمر هؤلاء الفلاسفة من المتكلمين الذين قالوا باستحالة الاسراء بجسد رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقظة، ونجدهم يؤمنون بنظريات قد تكون مستحيلة.
قال البيضاوى:«والاستحالة مدفوعة بما ثبت فى الهندسة أن ما بين طرفى قرص الشمس ضعف ما بين طرفى كرة الأرض مائة ونيفا وستين مرة، ثم إن طرفها الأسفل يصل موضع طرفها الأعلى فى أقل من ثانية. وقد برهن فى الكلام أن الأجسام متساوية فى قبول الأعراض وأن الله قادر على خلق مثل هذه الحركة السريعة فى بدن الرسول صلّى الله عليه وسلم أو فيما يحمله». (تفسير البيضاوى وحاشية الشهاب ٦/ ٦).
ولسنا بحاجة - ولله الحمد - نحن أهل السنة لسرد مثل هذه الحجج الكلامية والتفسيرات المادية، بل إن عقيدة المسمين قائمة على ظهر التسليم لأمر الله وشرعه وخبره، ولا يكون العبد مسلم إلا بتحقيق هذا التسليم فإنه ما سلم فى دينه إلا من سلم لله سبحانه وتعالى.
ولكن لما عرفت أن من عندهم اطلاع لمثل هذه النظريات والتى يعدونها يقينيات كأبى عبد الله الرازى نجدهم يشكون بمعراج الرسول صلّى الله عليه وسلم ببدنه وينسبونه للمستحيل، ويقولون كما قال الصابئة والمنجمون أنه عرج بفكره لا ببدنه ١.
لما عرفت ذلك من المتكلمين أتيت بكلام البيضاوى لا ليكون دليلاً لعدم الاستحالة، ولكن تعجباً لأمر المتكلمين كيف يشكون بالمعراج ويؤمنون بمثل هذه النظريات فالله المستعان.