للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والرد: على أهل القول الأول بما يلى:

قولهم المراد بالرؤيا الرؤيا المنامية فى قوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ إدعاء باطل.

فإن قوله سبحانه وتعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ يرده لأنه لا يقال فى النوم «أسرى» إذ الاسراء هو السير ليلا، وهذا إنما يكون يقظة لا سيما وقد ذكر فى الحديث ما يستلزمه لزوماً بيناً من صلاته وغيرها.

وقوله: فِتْنَةً لِلنّاسِ أى: بليه ومحنة جرّأتهم على تكذيبه صلّى الله عليه وسلم ورد قوله، وهذا يؤيد أنها رؤيا عين باصرة يقظة إذ ليس فى الحلم فتنة، ولا يكذب بها أحد لأن كل أحد يرى مثل ذلك فى منامه من الكون فى ساعة واحدة فى أقطار متباينة مع أن قوله تعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى يدل على أنها رؤيا عين حقيقية لا حلم.

على أن المفسرين اختلفوا فى هذه الآية وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً فذهب بعضهم إلى أنها نزلت فى قضية الحديبية وما وقع فى نفوس الناس من ذلك، وقيل: إن الرؤيا إنما كانت قبيل بدر وهى التى فى قوله تعالى: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً الآية ١.

أما قول عائشة ومعاوية فقد قال القرطبى - رحمه الله: وقد اعترض على قول عائشة ومعاوية بأن عائشة كانت صغيرة ولم تشاهد، ولا حدثت عن النبى صلّى الله عليه وسلم.

وأما معاوية فكان كافراً فى ذلك الوقت غير مشاهد للحال ولم يحدث عن النبى صلّى الله عليه وسلم ٢.

قال القاضى عياض: وأما الحديث الذى روته عائشة فليس بالثابت ٣.

واما الحديث «بينما أنا نائم» فهو رواية شريك بن أبى نمر تفرد به، وقد خالف الاجماع وقد غلّط الحفاظ شريكاً فى حديث الاسراء فقال الامام مسلم «وقدم فيه شيئاً وأخّر وزاد ونقص» ٤.

حتى ولو سلمنا أن شريكاً الذى تفرد بهذه الرواية لم يخطئ فهذه لا تصلح أن تكون دليلاً لأهل القول الأول.

قال القاضى عياض: وأما قولهم - أى أصحاب القول الأول - إنه قد سماها مناماً وقوله: ثم استيقظت فلا حجة فيه إذ قد يحتمل أن أول وصول الملك إليه كان وهو نائم، وليس فى الحديث أنه -


(١) انظر. الشفاء مع شرحه ٢٦٥/ ٢ - ٢٨٠.
(٢) تفسير القرطبى ٢٠٩/ ١٠
(٣) الشفاء ١٩٤/ ١.
(٤) صحيح مسلم - الإيمان - حديث (٢٦٢).

<<  <   >  >>