مالك، وعن أبى صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن عبد الله بن مسعود، وعن أناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: لما فرغ الله عز وجل من خلق ما أحب استوى على العرش وقال للملائكة: {إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة: ٣٠] إلى قوله: {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ}[البقرة: ٣٠] من شأن إبليس فبعث جبريل عليه السلام إلى الأرض ليأتيه بطين منها، فقالت الأرض: إنى أعوذ بالله منك أن تنقص منى أو تشيننى، فرجع فبعث ملك الموت، فعاذت منه فقال: وأنا أعوذ بالله عز وجل أن أرجع، لم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض، وخلط، فلم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين، فصعد به قبل التراب حتى عاده طيناً لازباً، قالوا: اللازب (هو الذى يلزق بعضه ببعض) ثم لم يزل حتى أنتن، فذلك حين يقول:{مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}[الحجر: ٢٦] قال: منتن، ثم قال للملائكة {إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ}[الحجر: ٢٨، ٢٩]، فخلقه الله عز وجل بيديه، لكى لا يتكبر إبليس عنه ليقول له: تتكبر عما عملت بيدى، ولم أتكبر أنا عنه، فخلقه بشراً، فكان جسداً من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة، فمرت الملائكة ففزعوا منه لما رأوه، وكان أشدهم فزعاً منه إبليس، فكان يمر به فيفر به فيصوت الجسد كما كان يصوت الفخار، فيكون له صلصلة، فذلك حين يقول:
{مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخّارِ}[الرحمن: ١٤] ويقول: لأمر ما خلقت، ودخل من فمه، وخرج من دبره، فقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا، وهذا اجوف، ولو أنى سلطت عليه لأهلكته، فلما بلغ الحين الذى يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة: إذا نفخت فيه من روحى فالسجدوا له، فلما نفخ فيه الروح فدخل فى رأسه عطس فقال الملائكة: قل الحمد لله فقال: الحمد لله فقال الله عز وجل: رحمك ربك، فدخل الروح فى عينيه، فنظر إلى ثمار الجنة، فلما دخل فى جوفه، اشتهى الطعام، فوثب قبل أن يبلغِ الروح فى رجليه، عجلاً إلى ثمار الجنة، فذلك حين يقول:{خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ}[الأنبياء: ٣٧]. {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ}[الحجر: ٣٠، ٣١]، قال الله عز وجل:{ما مَنَعَكَ}