للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= فى عموم كلامه، وقد اختلف السلف فى رؤية النبى صلّى الله عليه وسلم ربه وفذهبت عائشة وابن مسعود إلى إنكارها، واختلف عن أبى ذر، وذهب جماعة إلى إثباتها، ثم اختلفوا هل رآه بعينه أو بقلبه؟ وعن احمد كالقولين، قلت: جأت عن ابن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة، فيجب حمل مطلقها على مقيدها، فمن ذلك ما أخرجه النسائى بإسناد صحيح، وصححه الحاكم أيضاً من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: «أتعجبون أن تكون الخلة لابراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد؟» وأخرجه ابن خزيمة بلفظ: «إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة» الحديث، وأخرج ابن إسحاق من طريق عبد الله بن أبى سلمة أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس: هل رأى محمد ربه؟ فأرسل إليه أن نعم.
ومنها ما أخرجه مسلم من طريق أبى العالية، عن ابن عباس فى قوله تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى * أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: ١١ - ١٣] قال: رأى ربه بفؤاده مرتين، وله من طريق عطاء عن ابن عباس قال: رآه بقلبه، وأصرح من ذلك ما أخرجه ابن مردويه من طريق عطاء أيضاً أن ابن عباس قال: لم يره رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعينه، إنما رآه بقلبه، وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس، ونفى عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباته على رؤية القلب، ثم المراد برؤية القلب لا مجرد حصول العلم؛ لأنه صلّى الله عليه وسلم كان عالماً بالله على الدوام .. وروى ابن خزيمة بإسناد قوى عن أنس قال: «رأى محمد ربه» وعند مسلم من حديث أبى ذر أنه سأل النبى صلّى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «نور أنى أراه» ولأحمد عنه، قال: «رأيت نوراً» ولابن خزيمة عنه قال: «رآه بقلبه، ولم يره بعينه»، وبهذا يتبين مراد أبى ذر بذكره النور حال بين رؤيته له ببصره. «الفتح» (٦٠٨/ ٨).
وقال ابن تيمية: «والألفاظ الثابتة عن ابن عباس هى مطلقة أو مقيدة بالفؤاد تارة يقول.
«رأى محمد ربه»، وتارة يقول: «رآه محمد» ولم يثبت عن ابن عباس لفظ صريح بأن راه بعينه .. وليس فى الأدلة ما يقتضى أنه رآه بعينه، ولا يثبت ذلك عن أحد من الصحابة، ولا فى الكتاب والسنة ما يدل على ذلك، بل النصوص الصحيحة على نفيه أدل، كما فى صحيح مسلم، عن أبى ذر قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ فقال: «نور أنى أراه» «الفتاوى» (٥١٠/ ٦).
وراجع ما روى عن الصحابة فى ذلك فى (الايمان» لابن مندة (ص ٧٣٨ - ص ٧٥٧)، «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» اللالكائى (ص ٥١٢ - ٥٢٠). و «السنة» لابن أبى عاصم (ج ١ ص ١٨٨ - ١٩٢). والآجرى فى «الشريعة» (ص ٤٩١ - ٤٩٧).
وراجع الخلاف فى المسألة «التوحيد لابن خزيمة» (١٩٧ - ٢٢٩) فقد أطال، وفى «الشفا» للقاضى عياض، وفى «زاد المعاد» (٣٦/ ٣ - ٣٨).

<<  <   >  >>