للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونرى أن مكانته في نفوس المسلمين كانت قد ارتفعت، وحبهم له كان قد زاد، ذلك في الأيام الأخيرة من حياته. فقد رأينا يتولى قضاء المسلمين ببلنسية وهم يلجؤون إليه ليتزعمهم دون غيره من الكبراء والعلماء، ولينقذهم من الهلاك ومن تلك الأزمة الخطيرة التي واجهتهم خلال الحصار واستيلاء العدو على مدينتهم، ثم رأينا بعد موته يدفنه المسلمون بازاء المسجد الجامع بدانية، ويبالغون في احترامه، ويصبح فبره معروفا بينهم، فيذكرونه في كتبهم ومؤلفاتهم فلو كان الوقشي على رأي غير رأيهم وعلى عقيدة غير عقيدتهم، لم يكن من الممكن أن تكون له هذه المكانة في نفوس العامة من أهل ملته من الأندلسين المتحمسين لدينهم المتشددين فيه.

ثم أن المعلومات والمواد التي حصلت لدينا في خلال البحث وخاصة في خلال تحقيق الطرر والحواشي على الكامل كم ادعي اعتزاله وينفي عنه الرأي الذي زن به، وهو يظهر أمامنا كمسلم صحيح راسخ في العقيدة من المحدئين القضاء، المالكيين، ونراه يدافع عن مالك، وينتصر له، ويؤيد آرائه الفقهية، ويعضد مسلكه في التشريع الإسلامي، ويتعصب له في بعض الأحيان. فانه ينفي القول المذكور في عثمان وعلى غيرهما من لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الذي نسب إلى مالك بن أنس في بعض تسخ الكامل المخطوطة القديمة، كما انه يفكر الحجاج في رأيه الحر كما كفره الفقهاء والأئمة من أهل السنة الراسخين في العلم والأيمان والعقيدة والله أعلم بالصواب، وعنده مفاتيح الغيب وهو عليم بذات الصدور.

[آراء الأعلام في شخصيته]

يقول القاضي: " وكان غاية في الضبط والتقييد والاتقان والمعرفة بالنسب والأدب، وله تنبيهات وردود على كبار أهل التصانيف التاريخية والأدبية، ويقضى ناظرها بالعجب، وتنبئ عن مطالعته وحفظه واتقانه، وناهيك عن حسن جتابه في تهذيب الكنى لمسلم الذي سماه بعكس الرتبة ومن تنبيهاته على أبى نصر الكلا باذى ومتلف الدارقطنى ومشاهد ابن هشام وغيرها.

وقال القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد وقد لقيه وأخذ منه: " أحد المتقنين في العلوم، المتوسعين في ضروب المعارف من أهل الفكر الصحيح والنظر الناقد، والمتحقق بصناعة الهندسة والمنطق، والرسوخ في علم النحو واللغة والشعر والخطابة، والإحكام بعلم الفقه والأثر والكلام، وهو مع ذلك شاعر بليغ ليس يفضله عالم بالأنساب والأخبار والسير، مشرف على جمل سائر العلوم ".

وقال ابن بشكوال نقلا عن القاضي أبى القاسم المذكور: " أبو الوليد الوعشى أحد رجال الكمال في وقته باحتوائه على فنون المعارف، وجمعه لكليات العلوم، وهو أعلم الناس بالنحو واللغة ومعاني الأشعار وعلم الفروض وصناعة البلاغة، وهو بليغ مجيد شاعر متقدم حافظ للسنن وأسماء نقلة الأخبار، بصير الاعتقادات وأصول الفقه، واقف على كثر من فتاوى الأمصار، نافذ في علم الشروط والفرائض متحقق بعلم الحساب والهندسة، مشرف على جميع آراء الحكماء، حسن النقد للمذاهب، ثاقب الذهن في تمييز الصحابة ويجمع إلى ذلك آداب الأخلاق مع حسن المعاشرة ولين الكنف وصدق اللهجة.

ويقول ياقوت في الإرشاد: " كان من أعلم الناس بالعربية واللغة والشعر والمخاطبة والحديث والفقه والأحكام والكلام، وكان أديبا كاتبا شاعراً متوسعاً في ضروب المعارف، متحققا بالمنطق والهندسة، ولا يفضله عالم بالأنساب والأخبار والسير.

ويقول الأستاذ خير الدين الزركلى: " أبو الوليد المعروف بالوقشي كاتب قاض مهندس أديب له شهر جيد من أهل طليطلة للمؤرخين ثناء عليه ".

وكان أبو محمد الريولى يقول: " والله ما أقول فيه إلا كما قال الشاعر: " الوافر "

وكان من العلوم بحيث يقضى ... له في كل فن بالجميع

ويقول فيه المقرى: " وكان الحافظ أبو الوليد هشام الوقشي من أعلم الناس بالهندسة وآراء الحكماء والنحو واللغة ومعاني الأشعار والعروض وصناعة الكتابة والفقه والشروط والفرائض وغيرها وهو قال الشاعر:

وكان من العلوم ... ... ... البيت "

مؤلفاته

<<  <   >  >>