وقد ألف أبو الوليد الوقشي رحمة الله عدداً من الكتب، بين اختصارات، وتهذيبات، وردود، وشروح، وتنبيهات، وقد وصل إلينا أقل قليلها، وفقد أكثرها وجلها، وذهب بها الزمان واكلتها الأيام، ولم يبق منها إلا الأسماء والعناوين أو الإشارات المجملة إلى موضوعاتها في كتب التراجم والتأريخ والمؤلفات الأخرى للأندلسيين وغيرهم.
ويمكن لنا أن نقسم مؤلفات الوقشي إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول، وهو ما بقى من مؤلفاته واحتفظ به الزمان واستفدنا منه. والقسم الثاني وهو ما فقد أصله إلا أننا وجدنا بعض الإشارات إليه وبعض الاقتباسات منه في مؤلفات الأندلسيين وغيرهم من علماء الشرق والغرب، والقسم الثالث ما فقد أصله ولانجد له اقتباسا ولا ذكراً حتى لا نعرف موضوعات بعضه غير الأسماء.
فأما القسم الأول الباقي من مؤلفاته فانه لا يزيد على كتابين مخطوطين، وهما نكت الكامل للمبرد " و " المنتخب من غريب كلام العرب.
[نكت الكامل للمبرد]
وهو أول الاثنين مما بقي من مؤلفات الوقشي، وقد ورد ذكر الكتاب بهذا الاسم في خمسة من كتب التراجم والمصادر التأريخية القديمة والحديثة فمن القدماء من ذكره بهذا الاسم المقرى في نفخ الطيب وياقوت في الإرشاد والسيوطى في بغية الوعاة.
ومن المتأخرين المحدثين، العلامة اسماعيل باشا البغدادي صاحب هدية العارفين في أسماء المؤلفين والأستاذ خير الدين الزركلى في الأعلام. وقد أورد ذكره أبو عبيد الله محمد بن عبد الملك الأنصاري الأوسي المراكشي في الذيل والتكملة باسم " طرر أبى الوليد الوقشي " حيث ذكر علي بن ابراهيم ابن سعد الخير الأنصاري. كان قد جمع طرر الوقشي وابن السيد البطليوسى إلى زيادات من قبله عليهما، وهو الموجود الباقي المحفوظ من هذا الكتاب ويشمله هذا السفر.
أما الكلام عليه فان له موضعا آخر وسنفصل الحديث هناك في كزايا الشرح ومميزاته الخاصة إن شاء الله.
[المنتخب من غريب كلام العرب]
وهو الكتاب الثاني الباقي من مؤلفات الوقشي، وموضوعه شرح غريب اللغة كما يتبادر إليه الذهن من اسمه، ولم نعثر على ذكر هذا الكتاب القيم المغر في المراجع المغربية والمشرقية إلا أن الأستاذ الزركلي يقول إنه رآه بالرباط، وأنه في جزئين. فقد قال في الأعلام ما نصه: " هشام بن أحمد أبو الوليد الوقشي يزاد في ترجمته قبل و " توفى بدانية " " وله " المنتخب من غريب كلام العرب - خ " مجلدان " ثم زاد بالهامش: رأيته في الخزانة العامة بالرباط " د ٣٣٦ ود٧٨ ".
وقد حصلنا على نسخة مصورة للنصف الأول من الكتاب وقد اكتشفنا، في خلال دراستنا لها، أن الوقشي يحذو حذو ابن سيدة في المخصص ويقتفى آثاره ولا نبالغ إذا قلنا أن " المنتخب " هو ملخص واختصاره، إلا أن الوقشي قد اعتمد على أمهات الكتب الأخرى في غريب اللغة كغريب المصنف لأبي عبيد القاسم بن سلام والنوادر لابن الأعرابي والحيوان للجاحظ والخيل لأبي عبيدة والكتب المؤلفة في خلق الإنسان وقلما يصرح بمصادره وماخذه إلا أن الناقد البصير يستطيع أن يعرفها ويستكشفها.
يقول الوقشي في خطبة الكتاب: " هذا الكتاب بدأت فيه بعون الله وتسديده، وتوفيقه، وتائيده، مما أحاط به علمي، وأتقنه فهمي، من الأسماء المختلفة الألفاظ الواقعة على الأجسام والأغراض، من الحيوان الموات، والأجناس المختلفات وبينت ذلك بالفرق بين الناس وغيرهم في خلقهم وصفاتهم وأفعالهم. وأتبعته بأبواب من حيث يكون الشئ صغيراً إلى أن يكبر، أو قليلا إلى أن يكثر، وختمته بأبواب فيها من كلام العرب ما لا يستغني عنه أحد من أهل العلم والأدب، وكل ما صنعته من ذلك آت في موضعه إن شاء الله.
وأول الأبواب: " باب ماله اسمان فصاعدا من خلق الإنسان وغيره دون الصفات، يقال للرأس، الضريب، لكثرة اضطرابه والتحماس في لغة حمير. ويقال لجانبيه، الفودان والمذروان والقرنان، ويقال للهمامة، الملطاط والصومعة والمرقى والعامة. وإنما يقال للهمامة العامة إذا بدا لك الراكب من بعيد فرأيت هامته قلت رأيت عامته. وقال بعضهم الهامة والعامة واحد، بدلت الهاء عينا لقرب المخرجين ... الخ.