قد عرفنا مما مر في ذكر شروح الكامل، والحواشي عليه، أن أبن السيد كان قد كتب الطرر والحواشي عليه، وقد استفاد منها عبد القادر البغدادي وسماها " شرح الكامل لأبن السيد "، وأن الوقشي أيضا ألف كتابا في هذا الموضوع نفسه، وسماه " نكت الكامل للمبرد "، جاء ذكره عند كثير من علماء التراجم، الشرقيين والغربيين، وأن البغدادي قد استفاد منه أيضا وسماه " شرح الكامل لأبي الوليد الوقشي "، ولم يذكره بالاسم الذي سماه به الوقشي، مؤلفه.
وكذلك فقد عرفنا مما صرح به المراكشي، أن أبا الحسن أبن سعد الخير الأنصاري، كان قد جمع طرر الرجلين على الكامل، إلى زيادات من عنده، وسمماها " كتاب القرط على الكامل ".
أما تأريخ هذا الجمع والتأليف لهذه الطرر، فأن المصادر لا تصرح بشىء في ذلك حتى أنها لا تذكر تأريخ الأصلين الذين جمعهما أبو الحسن أبن سعد الخير وهما شرح أبن السيد وشرح الوقشي، وأغلب الظن أنه كان قد جمعهما بعدج وفاة أستاذه وشيخه، أبن السيد، فاذا عرفنا أن الوقشي توفى سنة ٤٨٩هـ على أصح الأقاويل، وأن أبن السيد توفى سنة ٥٢١هـ، فمعنى ذلك أم أبن سعد الخير كان قد جمعهما في النصف الأول من القرن السادس الهجري، وذلك بعد وفاة الوقشي بنحو أربعيم عاما، وبعد وفاة شيخه أبن السيد بمدة لا يعلمها إلا ألله! والنسخة التي كتبها أبن سعد الخير بخط يده، لايعرف مصيرها ولعلها قد عصفت بها بد اليام وأبادتها حوادث الزمان. أما هذه النسخة، التي حصلنا على نسخة منها بالتصوير الشمسي، فهي ليست بخط يده، لأنها كتبت في العقد الأول من النصف الأخير للقرن السابع الهجري، وذلك سنة ثمان وخمسين وستمائة، كما صرح به كاتب النسخة في نهايتها. فهي كتبت بعد وفاة الوقشي بسبع وستين ومائة سنة، وبعد وفاة أبن السيد بسبع وثلاثين ومائة سنة، وبعد وفاة أبي الحسن أبن سعد الخير بسبع وثمانين سنة أو نحو ذلك، وقد مضت سبعة قرون أو ما يزيد قليل منذ كنتبت هذه النسخة، وهي الآن في المكتبة القومية " ملى كتب خانة " بأنقرة.
وهنا سؤالان: أولهما: كيف وصلت هذه النسخة، المكتوبة بالخط المغربي، إلى أنقرة؟ ومن الصعب أن نتأكد في ذلك بشيء! والعبارات التي كتبت على غلاف الأصل تؤكد لنا، أن هذه النسخة كانت في حوز إبراهيم بن محمد الزمزمي في سنة ١١٨٠ هـ، ثم صارت في حوز السيد أحمد الرفاعي المدني، ومنه دخلت في مكتبة إسماعيل آفندي، ومنها نقلت إلى المكتبة الشعبية بأنقرة، فالرجل الأول هو الشيخ إبراهيم بن محمد بن عبد السلام الرئيس الزمزمي المكي الشافعي، والمؤقت خرم الله الأمين، المولود بمكة سنة ١١١٠هـ، والمتوفى بها سنة ١١٩٥هـ. وقد كان رحمه الله، مولعا بنفائس المخطوطات، ونوادرها، وقد ذكره الجبرتي فقال:" واقتنى كتبا نفسية، في سائر العلوم، بددها أولاده من بعده، وباعوها بأنجس الأثمان ". أما الرجل الثاني فلم نعثر على ترجمته أو ذكر له، والسؤال الثاني: هل هذه النسخة بعينها هي التي كانت عند عبد القادر البغدادي ومنها استفاد في خزانته، أم كانت عنده نسخة أخرى منها أو نسختان مستقلتان لشرحي الوقشي وأبن السيد؟ والجواب صعب هاهنا أيضا، وليس لدينا ما يؤكد لنا أنها هي النسخة التي استفاد منها البغدادي، إلا أن الأستاذ الكبير عبد العزيز الميمني كان يرى " أنها نفس النسخة التي استفاد منها البغدادي ويقول: " أغلب الظن أنها لم تكن في مكتبته، أو في مكتبة صهره، وكان قد استعارها واستفاد منها، ثم أرجعها إلى صاحبها ".
ومما يمكن الاستدلال على صحة قول الأستاذ الميمني أن البغدادي: